منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٣٢
أقول: لا ريب في بناء العقلاء على مراجعة الخبير المتجزي في الجملة، وتقديم قوله - في ظرف المخالفة - على قول من له إحاطة بأبواب أخرى من الفن، ومثاله المعروف هو الطبيب الأخصائي بالقياس إلى العالم بالطبابة العامة، إذ لا شك في تقديم رأي الأول على الثاني عند المعارضة. لكن التنظير به لما نحن فيه من مساواة قول المتجزي للمجتهد المطلق أو تقديم قوله عليه لا يخلو من شئ، إذ مورد البحث في المقام وجود مجتهدين مثلا أحدهما متجز في باب القضاء، والاخر مطلق له القدرة على استنباط تمام أبواب الفقه، وفي خصوص كتاب القضاء تتوفر القدرة اللازمة لاستخراج أحكامه لكل منهما، وإن أمكن كون أحدهما أكثر مهارة من الاخر في استنباط ذلك الباب.
وهذا بخلاف الطبيب، فإن الطبيب الأخصائي - في عضو أو جهاز من أجهزة البدن - له الخبرة بأمراض مورد اختصاصه بما يكون الطبيب العام فاقدا لتلك الخبرة قطعا، وفي مثله يقدم قول المتجزي بلا شك، وأين هذا من المجتهد المطلق والمتجزي في باب من أبواب الفقه؟ فان مفروض البحث قدرة المتجزي على استنباط أحكام مورد اجتهاده من إعمال قواعد عامة أو جمع بين المتعارضات و نحوها كما يقتدر المجتهد المطلق على استنباطها.
والواقع أن إحراز سيرة العقلاء والمتشرعة على العمل بقول المتجزي في الأحكام الشرعية مع وجود المجتهد المطلق مشكل، خصوصا مع ما فيها من الاهتمام الذي ليس في الشؤون الدنيوية، فان المهم في باب التقليد تحصيل المؤمن من العقاب المحتمل بعد العلم الاجمالي بالتكاليف الالتزامية في الشريعة المقدسة، فلو كان المتجزي أعلم في بابه من المطلق أمكن دعوى بنائهم على مراجعته، وإلا فمع فرض المساواة لا تخلو دعوى بنائهم على الرجوع إليه من تردد.
هذا كله بناء على ثبوت صغرى رجوعهم إلى المتجزي من أهل الخبرة في الدين، والمهم حينئذ إمضاء هذا البناء العملي، وقد عرفت أن سيدنا الأستاذ (قده) اعتمد على ظهور معتبرة أبي خديجة في كفاية التجزي في الاجتهاد للتصدي لمنصب القضاء، وما ثبت له ثبت للفتوى أيضا، ولا عكس.
وتحقيق هذا الامر منوط بالنظر في جهتين، الأولى: في ما يستفاد من متن المعتبرة، الثانية: في النسبة بينها وبين سائر الأدلة اللفظية الظاهرة في اعتبار الاجتهاد المطلق.
أما الجهة الأولى فمحصلها: أن هذه المشهورة رواها ثقة الاسلام الكليني بلفظ (من قضائنا)