منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٤٣
الآحاد، لعدم وفاء الأخبار المتواترة والاجماعات القطعية بجل الفقه، فاللازم إحراز صدورها بوجه حتى يصح الاستناد إليها في الاستنباط، وإلا كان الاستناد إلى غير الحجة، وكان الافتاء حينئذ بغير علم. وحيث إن تحصيل العلم الوجداني بصدورها غير متيسر فلا بد من تحصيل الوثوق بصدورها، وهو منوط بالاطلاع على تراجم رجال السند ومعرفة حالهم وأنهم متحرزون عن الكذب في المقال أولا، فلا محيص عن التحري عما يوجب الوثوق بصدور الرواية من وثاقة الراوي أو عمل المشهور بها أو غير ذلك من موجبات الوثوق بالصدور، وما لم يحصل هذا الوثوق لا يصح الاستناد إلى الرواية.
وعلى هذا فتكون الحجة هي الخبر الموثوق الصدور وإن لم يكن مخبره ثقة، فنحتاج إلى علم الرجال لتشخيص خبر الثقة عن غيره، كما نحتاج إلى مراجعة كلمات الأصحاب للاطلاع على أنهم أعرضوا عنه أم لا، حيث إن إعراضهم إما رافع للوثوق بصدوره أو لإرادة طاهرة، فيعلم إجمالا باختلال أصالة الظهور أو الصدور فيه، ومع هذا العلم لا وجه لحجية الخبر والاعتماد عليه.
نعم إذا أعرض الأصحاب عن خبر معتبر سندا مع العلم بوجه إعراضهم كانت العبرة بذلك الوجه لا بنفس الاعراض، كما إذا علم أنهم أعرضوا عن الخبر لزعمهم ضعف سنده، لوقوع رجل فيه حسبوه ضعيفا، أو زعموا اعتبار عدالة الراوي في حجية خبره، أو كون الراوي إماميا أو غير ذلك مما يعتبر عندهم في حجية الخبر ولا يعتبر عندنا، أو زعموا معارضة الخبر المعرض عنه لخبر آخر فأخذوا بأحدهما وتركوا الاخر لمجرد الاخذ بأخبار التخيير، لا لخلل في الخبر الذي لم يعولوا عليه، أو غير ذلك، فان هذا الاعراض لا يكون كاسرا لسورة حجية الخبر المعرض عنه مع الوثوق بصدوره من ناحية سنده.
والاعراض الموهن لحجية السند والرافع للوثوق بصدوره هو ما إذا لم يعلم وجه الاعراض مع فرض موافقة المشهور لهذا المجتهد في شرائط حجية الخبر.
فالمتحصل: أن المجتهد لا يستغني عن علم الرجال، فلا بد من الخوض فيه حتى يظهر له أن إعراضهم عن خبر هل هو لأجل المبنى الذي لا يكون صحيحا عنده أم لخلل فيه لم يظهر له. كما أن عملهم بخبر ضعيف هل هو لتوثيق الراوي أم لاحتفافه بقرائن تدل على حصته، فإذا ثبت أن إعراضهم لم يكن من ناحية ضعف السند، أو أن عملهم بخبر ضعيف لم يكن لتوثيق السند - مع فرض