منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٣٣
ورواها الشيخ - كما في الوسائل - بلفظ (من قضايانا) وعلى كل منهما فإما أن تكون حرف الجر للتبعيض أو للبيان، والاستدلال بها على كفاية الاجتهاد في باب القضاء للتصدي لهذا المنصب الشامخ منوط بدلالة الرواية على كفاية معرفة جملة من أحكام القضاء، إما بأن يقال في مدلولها:
(يعلم شيئا هو قضاؤنا) أي يعلم خصوص ما ورد عنهم عليهم السلام في باب القضاء من موازين الحكم. وإما أن يقال: (يعلم شيئا من طبيعة قضائهم عليهم السلام ويكون حرف الجر للتبعيض بناء على صحته في المقام، لعدم كون الافراد أبعاض الطبيعة.
وعلى كل منهما يكفي كون القاضي مجتهدا في باب القضاء، وحيث إن منصب القضاء هو منصب الفتوى أمكن القول بجواز العمل بفتوى المتجزي.
أقول: لا بد من ملاحظة مدلول الرواية بناء على كلتا النسختين، فبناء على نسخة الكافي (من قضائنا) قد يتجه ما تقدم من نفوذ قضاء المتجزي في كتاب القضاء، نعم لا تصدق معرفة طبيعة قضائهم عليهم السلام على معرفة مسألة أو مسألتين مثلا، كما أن العارف بمسألتين من علم النحو أو الطب لا يصدق عليه أنه نحوي أو طبيب، بل ظاهره معرفة جميع الأحكام.
وبناء على نسخة التهذيب (من قضايانا) فقد يشكل الامر، لان الجمع المضاف من ألفاظ العموم، فتعتبر معرفة جميع الأحكام بحيث يصدق الاستغراق العرفي، ويتحد هذا المضمون مع مثل المقبولة الظاهرة في اعتبار الفقاهة والاجتهاد المطلق. ولا يجدي كون حرف الجر للتبعيض، فان بعض الكثير كثيرا أيضا، فإن علومهم عليهم السلام بحار ليس لها ساحل ولا يحيط بها بشر، فلا بد من كون بعضها كثيرا أيضا، فإن القطرة وإن كانت بعض البحر حقيقة، إذ كل جز من أجزأ المركب بعضه وإن كان قليلا، إلا أن صحة النسبة البعضية عرفا أمر آخر غير الصدق اللغوي والدقي العقلي، فهي متقومة بكون البعض كثيرا في نفسه وبالنسبة إلينا، وقد حكي أنه قيل لصاحب الجواهر أعلى الله مقامه الشريف عند احتضاره وانكشاف الغطاء عنه:
(عنده شئ من علم جعفر عليه السلام مع أنه من أعاظم الفقهاء و أعمدتهم وممن وفقه الله تعالى لتحرير دورة كاملة من أمهات المباحث الفقهية.
وعلى هذا الاحتمال تكون معتبرة أبي خديجة موافقة للمقبولة و نحوها.
إلا أنه قد يعول على نقل الكليني باعتبار أضبطيته في مقام النقل، و تقع المعارضة بينها وبين سائر الأدلة اللفظية، إذ الاحكام الواصلة عنهم عليهم السلام في باب الخصومات ليست بكثيرة في نفسها.
هذا بعض الكلام في الجهة الأولى.