منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٣٠
هو الرجوع إلى المجتهد المطلق لا المتجزي. هذا مع الغض عما حقق في محله من أن نتيجة المقدمات هي التبعيض في الاحتياط لا حجية قول الفقيه.
وبناء على الانفتاح يكون مقتضى الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة - على فرض صحة الاستدلال بها على وجوب التقليد - اعتبار الاجتهاد المطلق في مرجع التقليد، لظهور آية النفر في وجوب الحذر عقيب إنذار الفقيه، لا وجوبه عند إنذار كل منذر، والفقيه هو العالم بجل الاحكام. وهذا ظاهر رواية التفسير أيضا من قوله عليه السلام:
(فللعوام أن يقلدوه). وظهور آية السؤال من أهل الذكر في موضوعية (أهل الذكر) للحكم بوجوب السؤال منه مقدمة للعلم ثم الاعتقاد أو العمل به. وأما ظهور المقبولة (وعرف أحكامنا) في الاستغراق وعدم كفاية معرفة اليسير من أحكامهم فقد تقدم مشروحا.
وهكذا الحال في الاخبار الارجاعية، فإنها تدل أيضا على اعتبار كون المرجع محيطا بجل الأحكام الشرعية، وعدم كفاية العلم ببعضها، ولفظ (الفقيه والعالم) وإن لم يرد في هذه الأخبار لكون السؤال في جملة منها عن وثاقة المرجع وأمانته في النقل، إلا أن اعتبار فقاهة المرجع إما لكونه من المرتكزات التي قررها الإمام عليه السلام وإما لكونه مما يدل عليه مناسبة الحكم والموضوع، وعدم كون تمام الموضوع هو الوثاقة في نقل ألفاظ الرواية إلى السائل، بل ورد في السؤال عن وثاقة يونس سن عبد الرحمن (آخذ عنه معالم ديني) فمفروض سؤال عبد العزيز بن المهتدي أن يونس عالم بمعالم الدين، ومن المعلوم توقف صدق العالم بالدين على معرفة معظم أحكامه.
ويشهد لهذا أيضا أمره عليه السلام أبان بن تغلب بالجلوس في المسجد والافتاء، فإن الافتاء في ذلك العصر وإن لم يكن بهذا الحد من الصعوبة والأعضال، إلا أنه ليس مجرد قراءة ألفاظ الروايات على عوام الشيعة، مع ما فيها من المتعارضات والعام والخاص والمطلق و المقيد وغير ذلك مما يتوقف استفادة الحكم الشرعي منها على إعمال نظر فيها، خصوصا وأن الافتاء المأمور به لم يقيد بباب دون باب، وهذا طبعا منوط بالعلم بأكثر الأحكام الشرعية وبالفقاهة في الدين.
وبهذا يظهر أن المقصود من الارجاع إلى رواة الأحاديث في المقبولة و غيرها ليس الارجاع إلى من روى صرف الوجود من أحاديثهم عليهم السلام حتى يستأنس منه حجية فتوى المتجزي، كيف؟