منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٣١
والمفروض في المقبولة اختلاف الحاكمين في الشبهة الحكمية وهي الدين أو الميراث، ومن المعلوم أن المنصوب في هذا الموارد لفصل الخصومة والنزاع هو المجتهد المطلق خصوصا بقرينة (عرف أحكامنا). ولا إطلاق في قوله عليه السلام: (روى حديثنا، وإنما كان ذكره للتنبيه على استناد القاضي إلى روايتهم عليهم السلام في قبال قضاة العامة الذين أوجب انحرافهم عن باب مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استنادهم إلى غير رواياتهم عليهم السلام الموجب لوقوعهم في التيه والحكم بخلاف ما أنزل الله تعالى على نبيه و آل بيته المعصومين عليهم السلام.
فالمتحصل: أن الأدلة اللفظية تقتضي اعتبار الاجتهاد المطلق في مرجع التقليد. نعم في خصوص معتبرة أبي خديجة كلام سيأتي التعرض له (إن شاء الله) هذا كله حال الأدلة اللفظية.
وأما بناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم فقيل: إنه استقر على عدم الفرق في الرجوع إلى المجتهد بين المطلق والمتجزي، لوحدة المناط وهو الخبروية، (لوضوح أن جاهلهم بشئ يرجع إلى العالم به وإن لم يكن له معرفة بغيره من الأمور، فتراهم يراجعون الطبيب الأخصائي بالعيون مثلا وإن لم يكن له خبرة بغيرها من الجهات، و كذلك من له معرفة ببعض المسائل دون بعض وإن كان قليلا. بل قد يقدمون نظر المجتهد المتجزي على قول المجتهد المطلق عند المعارضة، كما إذا كان المتجزي أعلم من المجتهد المطلق، لممارسته و دقته في العلوم العقلية، وكونه أقوى استنباطا منه فيما يرجع إلى تلك المباحث من المسائل كوجوب مقدمة الواجب وبحثي الضد و الترتب وغيرها، وإن لم يكن له قوة بتلك المثابة في المسائل الراجعة إلى مباحث الألفاظ كغيرها).
ويدل على كفاية مطلق الاجتهاد في مرجع التقليد وعدم اعتبار الاجتهاد المطلق فيه معتبرة أبي خديجة عن الصادق عليه السلام:
(إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا [قضايانا] فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه). وتقريبه هو ما أفاده سيدنا الأستاذ (قده) بقوله:
(وكونها في القضاء لا يمنع من الاستدلال بها في المقام، لان منصب القضاء منصب الفتوى، ولا عكس، فما دل على عدم اعتبار شئ في القاضي يدل على عدم اعتباره في المفتي). وعليه تكون هذه الرواية المعتبرة إمضاء للسيرة الجارية على جواز رجوع الجاهل إلى العالم من دون اعتبار كونه عالما مطلقا.