الامر الثالث: إنه قد عرفت أن القطع بالتكليف أخطأ أو أصاب، يوجب عقلا استحقاق المدح والثواب، أو الذم والعقاب، من دون أن يؤخذ شرعا في خطاب، وقد يؤخذ في موضوع حكم آخر يخالف متعلقه، لا يماثله ولا يضاده، كما إذا ورد مثلا في الخطاب أنه (إذا قطعت بوجوب شئ يجب عليك التصدق بكذا) تارة بنحو يكون تمام الموضوع، بأن يكون القطع بالوجوب مطلقا ولو أخطأ موجبا لذلك، وأخرى بنحو يكون جزؤه وقيده، بأن يكون القطع به في خصوص ما أصاب موجبا له، وفي كل منهما يؤخذ طورا بما هو كاشف وحاك عن متعلقه، وآخر بما هو صفة خاصة للقاطع أو المقطوع به، وذلك لان القطع لما كان من
____________________
قوله: الامر الثالث انه قد عرفت أن القطع بالتكليف... الخ اعلم أنه لا بد من تقديم مقدمة لا تخلو عن الفائدة فيما يهمنا من امكان اخذ القطع في موضوع الحكم وعدمه، وهي: ان متعلق القطع لا بد وأن يكون متحصلا ومتحققا بنفسه مع قطع النظر عن تعلق القطع به، ومن دون مدخليته في تحصله، وذلك لبداهة تأخر القطع عن المقطوع بالطبع وتفرع الكشف على المنكشف، فلا يمكن أن يكون القطع موجبا لتحقق متعلقه، ولا يجوز اخذه في متعلقه شرعا مطلقا سواء كان المتعلق موضوعا أو حكما، ضرورة عدم امكان اخذ المتأخر في المتقدم، مثلا إذا قطع بوجوب لا يمكن اخذه في الوجوب الذي تعلق به للزوم الدور، وهذا بخلاف ما إذا اخذ في غير متعلقه، كما إذا اخذ في موضوع حكم آخر مخالف لنفس متعلقه، فإنه بمكان من الامكان كما إذا ورد مثلا في الخطاب إذا قطعت بوجوب شئ مثلا يجب عليك التصدق بكذا، فان القطع بالوجوب في هذه القضية اخذ في موضوع حكم اخر وهو وجوب التصدق.