استنباط حكمها إلى قاعدة أو قواعد برهن عليها في الأصول، أو برهن عليها مقدمة في نفس المسألة الفرعية، كما هو طريقة الاخباري، وتدوين تلك القواعد المحتاج إليها على حدة لا يوجب كونها بدعة، وعدم تدوينها في زمانهم (عليهم السلام) لا يوجب ذلك، وإلا كان تدوين الفقه والنحو والصرف بدعة.
وبالجملة لا محيص لاحد في استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها إلا الرجوع إلى ما بنى عليه في المسائل الأصولية، وبدونه لا يكاد يتمكن من استنباط واجتهاد، مجتهدا كان أو أخباريا. نعم يختلف الاحتياج إليها بحسب اختلاف المسائل والأزمنة والاشخاص، ضرورة خفة مؤونة الاجتهاد في الصدر الأول، وعدم حاجته إلى كثير مما يحتاج إليه في الأزمنة اللاحقة، مما لا يكاد يحقق ويختار عادة إلا بالرجوع إلى ما دون فيه من الكتب الأصولية.
فصل اتفقت الكلمة على التخطئة في العقليات، واختلفت في الشرعيات، فقال أصحابنا بالتخطئة فيها أيضا، وأن له تبارك وتعالى في كل مسألة حكم يؤدي إليه الاجتهاد تارة وإلى غيره أخرى.
وقال مخالفونا بالتصويب، وأن له تعالى أحكاما بعدد آراء المجتهدين، فما يؤدي إليه الاجتهاد هو حكمه تبارك وتعالى، ولا يخفى أنه لا يكاد يعقل الاجتهاد في حكم المسألة إلا إذا كان لها حكم واقعا، حتى صار المجتهد بصدد استنباطه من أدلته، وتعيينه بحسبها ظاهرا، فلو كان غرضهم من التصويب هو الالتزام بإنشاء أحكام في الواقع بعدد الآراء - بأن تكون الاحكام المؤدي إليها الاجتهادات أحكاما واقعية كما هي ظاهرية - فهو وإن كان خطأ من جهة تواتر الاخبار، وإجماع أصحابنا الأخيار على أن له تبارك وتعالى في كل واقعة حكما يشترك فيه الكل، إلا أنه غير محال، ولو كان غرضهم منه الالتزام بإنشاء الاحكام على وفق آراء الاعلام بعد الاجتهاد، فهو مما لا يكاد يعقل، فكيف يتفحص عما لا يكون له عين ولا أثر، أو يستظهر من الآية أو الخبر، إلا أن يراد التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعلي، وأن