المرفوعة سندا وقصور المقبولة دلالة، لاختصاصها بزمان التمكن من لقائه عليه السلام، ولذا ما أرجع إلى التخيير بعد فقد الترجيح، مع أن تقييد الاطلاقات الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين - بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين، مع ندرة كونهما متساويين جدا - بعيد قطعا، بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب، كما فعله بعض الأصحاب، ويشهد به الاختلاف الكثير بين ما دل على الترجيح من الاخبار.
ومنه قد انقدح حال سائر أخباره، مع أن في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظرا، وجهه قوة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه غير حجة، بشهادة ما ورد في أنه زخرف، وباطل، وليس بشئ، أو أنه لم نقله، أو أمر بطرحه على الجدار، وكذا الخبر الموافق للقوم، ضرورة أن أصالة عدم صدوره تقية - بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره لولا القطع به - غير جارية، للوثوق حينئذ بصدوره كذلك، وكذا الصدور أو الظهور في الخبر المخالف للكتاب يكون موهونا بحيث لا يعمه أدلة اعتبار السند ولا الظهور، كما لا يخفى، فتكون هذه الأخبار في مقام تميز الحجة عن اللا حجة لا ترجيح الحجة على الحجة، فافهم.
وإن أبيت عن ذلك، فلا محيص عن حملها توفيقا بينها وبين الاطلاقات، إما على ذلك أو على الاستحباب كما أشرنا إليه آنفا، هذا ثم إنه لولا التوفيق بذلك للزم التقييد أيضا في أخبار المرجحات، وهي آبية عنه، كيف يمكن تقييد مثل: (ما خالف قول ربنا لم أقله، أو زخرف، أو باطل)؟ كما لا يخفى.
فتلخص - مما ذكرنا - أن اطلاقات التخيير محكمة، وليس في الاخبار ما يصلح لتقييدها.
نعم قد استدل على تقييدها، ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر:
منها: دعوى الاجماع على الاخذ بأقوى الدليلين.