المجتهد وإن كان يتفحص عما هو الحكم واقعا وإنشاء، إلا أن ما أدى إليه اجتهاده يكون هو حكمه الفعلي حقيقة، وهو مما يختلف باختلاف الآراء ضرورة، ولا يشترك فيه الجاهل والعالم بداهة، وما يشتركان فيه ليس بحكم حقيقة بل إنشاء، فلا استحالة في التصويب بهذا المعنى، بل لا محيص عنه في الجملة بناء على اعتبار الاخبار من باب السببية والموضوعية كما لا يخفى، وربما يشير إليه ما اشتهرت بيننا أن ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم.
نعم بناء على اعتبارها من باب الطريقية، كما هو كذلك، فمؤديات الطرق والامارات المعتبرة ليست بأحكام حقيقة نفسية، ولو قيل بكونها أحكاما طريقية، وقد مر غير مرة إمكان منع كونها أحكاما كذلك أيضا، وإن قضية حجيتها ليس إلا تنجز [تنجيز] مؤدياتها عند إصابتها، والعذر عند خطئها، فلا يكون حكم أصلا إلا الحكم الواقعي، فيصير منجزا فيما قام عليه حجة من علم أو طريق معتبر، ويكون غير منجز بل غير فعلي فيما لم تكن هناك حجة مصيبة، فتأمل جيدا.
فصل إذا اضمحل الاجتهاد السابق بتبدل الرأي الأول بالآخر أو بزواله بدونه، فلا شبهة في عدم العبرة به في الاعمال اللاحقة، ولزوم اتباع اجتهاد اللاحق مطلقا أو الاحتياط فيها، وأما الاعمال السابقة الواقعة على وفقه المختل فيها ما اعتبر في صحتها بحسب هذا الاجتهاد، فلا بد من معاملة البطلان معها فيما لم ينهض دليل على صحة العمل فيما إذا اختل فيه لعذر، كما نهض في الصلاة وغيرها، مثل: لا تعاد، وحيث الرفع، بل الاجماع على الاجزاء في العبادات على ما ادعي.
وذلك فيما كان بحسب الاجتهاد الأول قد حصل القطع بالحكم وقد اضمحل واضح، بداهة أنه لا حكم معه شرعا، غايته المعذورية في المخالفة عقلا، وكذلك فيما كان هناك طريق معتبر شرعا عليه بحسبه، وقد ظهر خلافه بالظفر بالمقيد أو المخصص أو قرينة المجاز أو المعارض، بناء على ما هو التحقيق من اعتبار الامارات من باب الطريقية، قيل بأن قضية اعتبارها إنشاء أحكام طريقية، أم لا على ما مر