فيها، فإن رأيه وإن كان مناطا لعروضها وحدوثها، إلا أنه عرفا من أسباب العروض لا من مقومات الموضوع والمعروض، ولكنه لا يخفى أنه لا يقين بالحكم شرعا سابقا، فإن جواز التقليد إن كان بحكم العقل وقضية الفطرة كما عرفت فواضح، فإنه لا يقتضي أزيد من تنجز ما أصابه من التكليف والعذر فيما أخطأ، وهو واضح. وإن كان بالنقل فكذلك، على ما هو التحقيق من أن قضية الحجية شرعا ليس إلا ذلك، لانشاء أحكام شرعية على طبق مؤداها، فلا مجال لاستصحاب ما قلده، لعدم القطع به سابقا، إلا على ما تكلفنا في بعض تنبيهات الاستصحاب، فراجع، ولا دليل على حجية رأيه السابق في اللاحق.
وأما بناء على ما هو المعروف بينهم، من كون قضية الحجية الشرعية جعل مثل ما أدت إليه من الأحكام الواقعية التكليفية أو الوضعية شرعا في الظاهر، فلاستصحاب ما قلده من الاحكام وإن كان مجال، بدعوى بقاء الموضوع عرفا، لاجل كون الرأي عند أهل العرف من أسباب العروض لا من مقومات المعروض، إلا أن الانصاف عدم كون الدعوى خالية عن الجزاف، فإنه من المحتمل - لولا المقطوع - أن الاحكام التقليدية عندهم أيضا ليست أحكاما لموضوعاتها بقول مطلق، بحيث عد من ارتفاع الحكم عندهم من موضوعه، بسبب تبدل الرأي ونحوه، بل إنما كانت أحكاما لها بحسب رأيه، بحيث عد من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عند التبدل، ومجرد احتمال ذلك يكفي في عدم صحة استصحابها، لاعتبار إحراز بقاء الموضوع ولو عرفا، فتأمل جيدا.
هذا كله مع إمكان دعوى أنه إذا لم يجز البقاء على التقليد بعد زوال الرأي، بسبب الهرم أو المرض إجماعا، لم يجز في حال الموت بنحو أولى قطعا، فتأمل.
ومنها: إطلاق الآيات الدالة على التقليد.
وفيه - مضافا إلى ما أشرنا إليه من عدم دلالتها عليه - منع إطلاقها على تقدير دلالتها، وإنما هو مسوق لبيان أصل تشريعه كما لا يخفى. ومنه انقدح حال إطلاق ما دل من الروايات على التقليد، مع إمكان دعوى الانسياق إلى حال الحياة