128]، فأشهد أنه كذلك، وأنك لم تأمر بالصلاة عليه إلا بعد أن صليت عليه أنت وملائكتك، وأنزلت في محكم قرآنك: {إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه}، لا لحاجة إلى صلاة أحد من المخلوقين بعد صلواتك عليه، ولا إلى تزكيتهم إياه بعد تزكيتك، بل الخلق جميعا هم المحتاجون إلى ذلك، لأنك جعلته بابك الذي لا تقبل ممن أتاك إلا منه، وجعلت الصلاة عليه قربة منك، ووسيلة إليك، وزلفة عندك، ودللت المؤمنين عليه، وأمرتهم بالصلاة عليه ليزدادوا أثرة لديك، وكرامة عليك، ووكلت بالمصلين عليه ملائكتك يصلون عليه، ويبلغونه صلاتهم وتسليمهم.
اللهم رب محمد فإني أسألك بحق محمد أن ينطلق لساني من الصلوات عليه بما تحب وترضى، وبما لم ينطلق به لسان أحد من خلقك، ولم تعلمه إياه، ثم تؤتيني على ذلك مرافقته حيث أحللته من محل قدسك، وجنات فردوسك، ولا تفرق بيني وبينه اللهم إني ابتدأت له الشهادة ثم الصلاة عليه، وإن كنت لا أبلغ من ذلك رضي نفسي، ولا يعبره لساني عن ضميري، ولا ألام على التقصير مني لعجز قدرتي عن بلوغ الواجب علي منه، لأنه حظ لي وحق علي وأداء لما أوجبت له في عنقي أن قد بلغ رسالاتك غير مفرط فيما أمرت...] (15).
والحاصل أن الصلاة الفعلية للملائكة لها لحاظان من حيث أنفسهم فيما تتكامل فيه ذواتهم من توجههم نحو الواسطة، والثاني تهيأ النفوس والذوات إلى ذلك الفيض على مختلف أنواع التقبل باختلاف أنواعهم لمهمتهم الكونية وعباداتها الفعلية: {فالمدبرات أمرا} [النازعات: 5].
ولا يخفى: أن الملائكة في هذا المقام تختلف أنواعها في تناسبها نحو المبدأ على حسب اختلاف القابليات الإنسانية والمخلوقات جميعا فتكون من جهة تتلقى لأنفسها ومن أخرى تلقي إلى ما يناسبها من السنخية بينها وبين المخلوقات. وقد مر هذا المعنى عدة مرات.