منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١١٣
ويشكل الأول أولا: بالفرق الموضوعي بين مسألة الدوران بين المحذورين وبين مورد الموثقة بوجهين، فلا يصح حمل قوله عليه السلام: (فهو في سعة) على ما يستقل به العقل من التخيير.
أحدهما: أن حكم العقل بالتخيير في العمل في مسألة الدوران يتوقف على العلم بجنس الالزام والشك في الخصوصيتين كما مثلوا له بالحلف على فعل في وقت خاص أو على تركه.
وأما إذا دار حكم واقعة بين الوجوب والحرمة والإباحة فهو خارج عن مورد الدوران بين المحذورين، وتجري فيه البراءة الشرعية كما تقرر في مجاري الأصول. ومفروض سؤال سماعة هو وصول خبرين متعارضين أحدهما يأمر والاخر ينهى، ومن المعلوم عدم استلزامه للعلم بالالزام، لاحتمال كذبهما معا، وأن يكون حكم الواقعة الإباحة. ولا قرينة في السؤال على حصول العلم بالالزام الجامع بين الوجوب والحرمة من إخبار المخبرين حتى يندرج في مورد الدوران.
ودعوى (إفادة الحجتين التعبديتين للعلم بالالزام، فلا يحتمل معهما الإباحة) ممنوعة بعدم اقتضاء حجية خبر الثقة حصول العلم بمؤداه، خصوصا مع تعارض الخبرين وتكاذبهما وعدم حجية شئ منهما، بعد كون الأصل الأولي في تعارض الطرق هو التساقط وعدم نهوض دليل على حجية أحدهما تخييرا بعد.
ثانيهما: أن حكم العقل بالتخيير في مسألة الدوران بين المحذورين منوط بعدم دليل يعين الوظيفة من عموم فوقاني يثبت أحد الحكمين، أو أصل عملي منجز له كالاستصحاب المثبت للتكليف، إذ معه لا تصل النوبة إلى التخيير، وحيث لم يحرز وجود هذا الدليل أو الأصل و عدمه في مورد سؤال سماعة، فلا سبيل لحملها على مورد الدوران، فإن حمل إطلاق جواب الإمام (عليه السلام): (فهو في سعة) - الشامل لمورد وجود الأصل الحاكم وعدمه - على صورة عدمه حتى يكون موردا للدوران بين المحذورين بلا وجه.
والحاصل: أن مجرد ورود خبرين متضمنين لطرفي الالزام لا يقتضي درج المورد في الدوران بين المحذورين حتى تكون السعة إرشادا إلى ما يستقل به العقل، لما عرفت من اعتبار أمرين في مسألة الدوران، ولا سبيل لاحرازهما في الموثقة.
نعم لا بأس باستفادة الدوران بين المحذورين من مرسل سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام): (قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا والاخر ينهانا عنه، قال: لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله، قلت: لا بد أن نعمل بواحد منهما، قال: خذ بما فيه خلاف العامة).
وثانيا: أن إرادة الحجية التخييرية في موارد الدوران بين المحذورين من قوله عليه السلام: (فهو