منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٠٧
لإحدى الحجتين على الأخرى، بل لتمييز الحجة عن اللا حجة - يكون التخيير مطلقا غير مقيد بأعمال المرجحات، لكن سيأتي إن شاء الله ما فيه.
وأما حمل صدره - لاطلاقه - على عدم كون الجائي بالخبر ثقة فيخرج عن مورد الترجيح، بخلاف ذيله، لتقيده بكون الجائي بالخبرين ثقة، وفي هذا المورد لم يعمل الترجيح، فبعيد، إذ مثله لا يؤخذ به مع عدم الاختلاف، وظاهره أن الاختلاف هو الموجب لتحير السائل في الاخذ به، فيعلم منه وجود المقتضي للعمل به.
إلا أنه يقرب هذا الحمل ما في رواية عبد الله بن أبي يعفور، قال:
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به و منهم من لا نثق به، قال عليه السلام: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله، وإلا فالذي جاءكم به أولى) وعليه فمنشأ تحير السائل ليس كونهما حجتين بالذات، بل حيث إنه منسوب إليهم (عليهم السلام) له أن يرده مطلقا أو يجب عليه رعاية الواقع بالتوقف والاحتياط، فتدبر وعليه يشكل الاستدلال بهذه المرسلة على التخيير بين المتعارضين مطلقا - حتى مع التفاضل - إلا إذا تم أحد أمرين على سبيل منع الخلو:
أحدهما: أن يكون الغرض من السؤال الأول استعلام حكم تعارض مطلق الخبرين حتى مع قصور المقتضي للحجية في أحدهما، ويكون جوابه عليه السلام بقياس الخبرين على الكتاب والسنة أجنبيا عن الحكم بالتخيير عند التكافؤ.
ثانيهما: أن يكون السؤال الأول سؤالا عن معارضة خبرين جاء بهما ثقتان كما هو مفروض السؤال الثاني أيضا: إلا أن موافقة الكتاب ليست من وجوه الترجيح، بل من مميزات الحجة عن اللا حجة.
ولا سبيل لاحراز الامر الأول. لكن الامر الثاني ثابت عند المصنف. و عليه يتجه استدلاله برواية الحسن بن الجهم على التخيير المطلق، إذ لا يبعد ظهور قوله عليه السلام: (فإن كان يشبههما فهو منا، وإن لم يكن يشبههما فليس منا) في كونه في مقام تمييز الحجة عن اللا حجة، لا ترجيح أحد المتعارضين على الاخر، فإنه قريب من رواية الحسن بن الجهم عن العبد الصالح عليه السلام قال:
(إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا، فإن أشبهها فهو حق، وإن لم يشبهها فهو باطل) وبذلك يتجه استدلال المصنف بذيل الرواية على التخيير مطلقا سواء في المتكافئين والمتفاضلين.