منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٥٥
فلاحظ.
واختار المحقق الأصفهاني (قده) أن الصحيح هو الجميع بالفعلية من وجه والفعلية من جميع الجهات، وأن الجمع بحمل الاحكام الواقعية على مرتبة الانشاء لا يخلو من محذور (وذلك لان الانشاء بلا داع محال، والانشاء بداع آخر - غير جعل الداعي - ليس من مقولة الحكم، ولا يترقب منه الفعلية البعثية والزجرية، بل فعلية ذلك الانشاء فعلية ما يدعو إليه من إرشاد أو امتحان أو جعل القانون، فلا محالة لا بد من أن يكون الانشاء المترقب منه البعث والزجر هو الانشاء بداعي جعل الداعي وهو الفعلي من قبل المولى. والمراد من الفعلي من وجه في قبال ما إذا وصل، فإنه فعلي بقول مطلق، وذلك لان الانشاء بداعي جعل الداعي قبل وصوله - بنحو من أنحاء الوصول - يستحيل أن يكون في نفسه صالحا للدعوة وإن بلغ من القوة ما بلغ، فهو عقلا متقيد بالوصول).
وهذا هو مبناه المتكرر في كلماته من أن فعلية الحكم متوقفة على وصوله، لتوقف الانبعاث عنه عليه، وهذا هو مرتبة التنجز بنظر المصنف وغيره.
وما أفاده (قده) وإن كان متينا، فان الانشاءات لما كانت منبعثة عن المصالح والمفاسد الواقعية فلا بد أن تكون بداعي جعل الداعي و لو بعد تحقق شرط فعليته، فالأولى القول بالفعلية من وجه والفعلية من جميع الجهات.
إلا أن توجيه الفعلية بما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) لا يخلو من شئ، فإن الحكم الذي يتوقف فعليته التامة على وصوله بأحد أنحاء الوصول يكون العلم به دخيلا في نفس الملاك ومتمما له، لا أنه تام المصلحة من قبل المولى حتى يتوقف تنجزه خاصة على الوصول.
وبالجملة: فرق بين الفعلي من وجه ومن جميع الجهات بنظر المصنف والمحقق الأصفهاني، فلا يكون بيانه (قده) توجيها الكلام الماتن بعد تصريحه بدخل العلم بالحكم الفعلي التعليقي في بلوغه الفعلية التامة والتنجز معا، فلاحظ كلمات المصنف في التنبيه الرابع من مباحث القطع، وفي أوائل التعبد بالامارات، وأول بحث الاشتغال، هذا بعض ما يتعلق بالقسم الثالث من أقسام التصويب.
ولا بأس بالنظر الاجمالي إلى القسمين الأولين منه وإن لم يستحقا البحث بعد قيام الاجماع والتواتر على بطلانه.