منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٣٧٤
بمعنى تحصيل الحجة على الحكم، بل تحصيل الحكم من الحجة.
هذا ما يتعلق بتعريف المصنف ومن وافقه من الاعلام. ولا بأس بالنظر الاجمالي إلى بعض تحديدات الاجتهاد مما أطلق فيها الاجتهاد على الملكة المتوقف عليها الاستنباط، أو على فعل المجتهد أعني به عملية استخراج الأحكام الشرعية من الأدلة.
فمنها: ما تقدم عن الحاجبي من أنه (استفراغ الوسع في تحصيل الظنبالحكم الشرعي). وقد عرفت في التوضيح إخلال أخذ الظن فيه، إذ لو أريد به خصوص ما قام دليل على اعتباره انتقض التعريف بما إذا أدى الاستنباط إلى العلم بالحكم، وبما إذا لم يحصل ظن بالواقع كما في مثل البراءة الشرعية. ولو أريد به الأعلم من الظن المعتبر و غيره انتقض بما إذا حصل له ظن بالحكم من طريق غير معتبر، إذ لا عبرة به مع كونه ظنا بالحكم وجدانا.
وتوجيه هذا التعريف (بتماميته على مذهب العامة المستدلين بالظنون القياسية والاستقرائية وغيرهما حيث إنهم يعملون بها، لكونها ظنونا، لا لكونها معتبرة بالخصوص) لا يخلو من شئ، فإن الحجة عندهم هو القياس لا خصوص ما أفاد الظن، ولا تدور حجية بعض الأمور عندهم مدار إفادة الظن حتى يلتئم أخذ الظن في التعريف مع مبانيهم، وتحقيق هذا موكول إلى محله، ولا جدوى في البحث عنه بعد فساد الأصل والفرع.
ولا يخفى أن هذا التعريف أو ما يقرب منه مذكور في بعض كتب أصحابنا أيضا كالعلامة وصاحب المعالم (قدهما) على ما تقديم في التوضيح. ولا ريب في أن أخذ الظن في الحد يكون مجرد موافقة لهم في اللفظ لا في موجبات الظنبالأحكام الشرعية، فكان ديدن العامة على العمل بالاستنباطات الظنية من الأقيسة والاستحسانات و المصالح المرسلة ونحوها، فإنهم لانحرافهم عن باب مدينة علم الرسول وأولاده الطاهرينصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) التجئوا إلى الاجتهاد بمعنى الاخذ بالآراء الظنية، ومن المعلوم بطلان هذا الاجتهاد بضرورة المذهب. وعليه يكون أخذ الظن في تعريف أصحابنا (رضوان الله عليهم) بمعنى آخر وهو الظن المعتبر بدليل خاص، ويشهد له استدلال العلامة على حرمة العمل بالقياس بعموم الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم.
وكيف كان فتعريف العلامة للاجتهاد لا يخلو من مسامحة أيضا، لتصريحه بعدم كون الاستنباط المؤدي إلى العلم بالأحكام اجتهادا مصطلحا، وهو ممنوع، إذ لا وجه لاخراج العلم بالأحكام - المبتنية على مباحث الاستلزامات - عن التعريف، لصدق الاجتهاد وتحصيل الحجة على الحكم