منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٣٧٦
جميع المباني المتشتتة في المسائل الأصولية من إنكار حجية الظن رأسا، أو القول بالظنون الخاصة، أو الظن الانسدادي كشفا أو حكومة، وغير ذلك. وبيانه: أن عنوان (إحراز المؤمن) شامل للاجتهاد المؤدي إلى معرفة الحكم الواقعي والظاهري، وتبديل (الوظيفة) ب (المؤمن) أولى، لشموله لموارد الأصول العملية بناء على إنكار الحكم الظاهري، وظهور (الوظيفة) في الحكم مطلقا من الواقعي والظاهري، فلا يشمل الاجتهاد في الأصول العملية الشرعية عند من ينكر جعل الحكم الظاهري فيها.
مع أنه لو صح أخذ (الوظيفة) في التعريف أغنى ذلك عن قيد (الفعلية) لان المقصود بالوظيفة هو الحكم البالغ مرتبة البعث والزجر، لعدم كون الالتفات إلى الحكم الاقتضائي والانشائي موضوعا لحكم العقل بلزوم تفريغ الذمة عنه وتحصيل المؤمن عليه، ومن المعلوم أن الكلام في الاجتهاد المعدود عدلا للاحتياط والتقليد.
كما أن عنوان (إحراز المؤمن) جامع للقول بالانسداد - كشفا أو حكومة - والقول بالانفتاح. لان مطلوب الكل من الاجتهاد إحراز المؤمن - بعد تنجز الاحكام بالعلم الاجمالي أو الاحتمال - مهما كانت كيفيته.
وبقيد (عقلا) يندرج فيه الظنبالحكم الشرعي على الحكومة بناء على الانسداد، وكذا موارد الأصول العملية المستندة إلى حكم العقل كقاعدة القبح، والاحتياط في أطراف المعلوم بالاجمال، وأصالة التخيير.
وبقيد (شرعا) يندرج في التعريف استنباط جل الاحكام، إذ عمدة الأدلة هي الكتاب والسنة.
وبقيد (من أدلة الفقه) يخرج الاحتياط والتقليد عن الحد، أما الاحتياط فلانه محرز عملي للواقع، وأما التقليد فلوضوح أن إحراز العامي للمؤمن مستند إلى فتوى مقلده، لا إلى أدلة الفقه.
وكيف كان فلا ريب في توقف استنباط الاحكام من أدلتها على ملكة راسخة يقتدر بها على إرجاع الفروع إلى الأصول، وهي لا تحصل إلا بمعرفة العلوم النظرية التي يتوقف عليها الاستنباط، والجز الأخير لعلة حصول هذه القوة إتقان علم الأصول المعد لتحصيل الحجة على الحكم. فإذا أتقن الباحث المجد العلوم النظرية الدخيلة في تحصيل الحجة واستخرج أحكاما من الأدلة كانت مستنبطاته حجة في حقه وحرم عليه الرجوع إلى مجتهد آخر، فإنه عارف فعلا بالحرام و الحلال.
سواء أكان عادلا أم فاسقا، بشهادة اشتراط العدالة في المفتي المرجع للتقليد والقاضي.