منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٧٧
المختلف فيها، لا أن الرجوع الفعلي صار سببا لذلك كما هو ظاهر) فهو، إذ الترجيح بالصفات يكون قاعدة عامة في كل مورد اختلف نظر الحاكمين فيه، وأنه لا عبرة بنظر المفضول عند مخالفته لرأي الفاضل كما هو الحال في باب التقليد أيضا، وهذا أجنبي عن صدور حكمين من الحاكمين خارجا حتى يجب تنفيذ السابق كي يشكل مع ما في المقبولة من الترجيح بصفات الحاكم أو بمرجحات الرواية.
وإن تعذر هذا الحمل - بدعوى ظهور كلام السائل في علاج اختلاف الحكمين في مرافعة شخصية، لا السؤال عن حكم كلي الواقعة - فالانصاف أن الاشكال الرابع لا يخلو من وجه، إذ مع كون الغالب تعاقب الحكمين زمانا وندرة تقارنهما يتعين تنفيذ حكم السابق و إلغاء اللاحق، لا الترجيح بالصفات، لاطلاق أدلة حرمة نقض حكم الحاكم من الاجماع المنقول البالغ حد الاستفاضة، وقوله عليه السلام في المقبولة: (فارضوا به حكما، فإني قد جعلته حاكما) وقوله: عليه السلام فيها: (فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فبحكم الله استخف و علينا رد) وغير ذلك مما استدل به على وجوب إنفاذ الحكم وحرمة رده.
إلا أن يقال: باختصاص أدلة حرمة نقض الحكم بما إذا كان الحاكم واحدا - كما هو الغالب - أو توافقهما في الحكم إذا كان الترافع إلى اثنين، وعدم شمولها للمقام أعني تراضي الخصمين بحاكمين. أما الاجماع فمع تسليمه - والغض عما حكي عن العلامة (قده) من نفوذ قضاء الأعلم الأزهد - لا إطلاق له لمورد تراضي الخصمين بحكمين، فالمتيقن منه صدور الحكم عن حاكم واحد.
وأما قوله عليه السلام: (فإني قد جعلته حاكما) فكذلك، لظهوره في نصب من له أهلية القضاء بنحو العموم، والضمير في (به، جعلته) راجع إلى (رجل أو الموصول، والمقصود إرجاع المترافعين إلى رجل واحد. وليس ناظرا إلى بيان حكم تعدد الحاكمين واختلافهما حتى يتمسك به على وجوبتنفيذ الحكم السابق وإلغاء اللاحق. و أما حكم صورة تعدد الحاكم واختلافهما في القضاء فهو مذكور في الجملة اللاحقة له أعني الترجيح بالصفات، ومع احتفاف حرمة الرد بالترجيح بالصفات لا يبقى إطلاق في حكمه عليه السلام بوجوب إنفاذ الحكم لصورة تراضي الخصمين بحاكمين.
ومما ذكرنا ظهر أجنبية الاستدلال بالهرج والمرج على حرمة نقض حكم الحاكم عن المقام، إذ مع تعيين الوظيفة - وهي تقديم أحد الحكمين بصفات الحاكم ووجوب تنفيذه - تنحسم مادة النزاع، ولا مجال لدعوى الهرج والمرج.