منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٨١
وأن الذي جاء به أولى به، فلا بد أن تكون العبرة بظاهر الكتاب، فإنه القابل للعرض عليه، دون ما يخالف واقعا ما هو المراد الواقعي من الكتاب، إذ لا علم بهذا المراد الواقعي حتى تعرض الاخبار عليه.
الثانية: ما ورد في باب ترجيح أحد الخبرين المتعارضين على الاخر، من الامر بأخذ ما يوافق الكتاب وطرح ما يخالفه كمصحح عبد الرحمن وغيره مما تقدم في (ص ١٤٠)، فإن الظاهر من هذه الطائفة كون موردها الخبرين المفروض اعتبارهما لولا التعارض، خصوصا ما اشتمل منها على كونهما خبري ثقتين، فهذه الطائفة تعد من المرجحات، ويكون المراد بمرجحية الموافقة موافقة أحد الخبرين لظاهر الكتاب، وهذا يلتئم مع فرض موافقة الخبرين له في مورد الترجيح بالمرجح المتأخر عنه رتبة وهو مخالفة القوم، إذ لا مانع من موافقة الخبرين لظاهرين يمكن التصرف فيهما أو في أحدهما.
وعلى كل فمثال الترجيح بموافقة الكتاب ما إذا ورد حديث يدل على حرمة سمك خاص، وآخر يدل على حليته، ودل الكتاب الشريف بمقتضى إطلاق الآية الكريمة (أحل لكم صيد البحر) على حليته، أخذ بما يدل على الحلية، لموافقته لاطلاق الكتاب المجيد.
هذا ما يتعلق بالترجيح بموافقة الكتاب في الجملة. وفي بعض الاخبار ضم (السنة) إلى الكتاب كما في المقبولة، وفي بعضها الترجيح بمخالفة العامة أيضا، وسيأتي وجه الجمع بينهما في التنبيه الثاني.
وأما الاخبار الراجعة إلى مخالفة العامة فهي أيضا على طائفتين:
إحداهما: ما ورد في لزوم مخالفتهم وترك موافقتهم، سواء كان هناك خبر آخر مخالف لهم أم لا، كخبر العيون عن علي بن أسباط، قال: (قلت للرضا - عليه السلام: يحدث الامر لا أجد بدا من معرفته، و ليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك، قال، فقال: ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك، فإذا أفتاك بشئ فخذ بخلافه، فإن الحق فيه). ومفروض سؤال الراوي إعواز النصوص وانسداد طريق السؤال من فضلا الأصحاب، فأمر عليه السلام بالاستفتاء من فقيه البلد ومخالفة فتواه مهما كانت، معللا مطلوبية مخالفتهم بأن الحق في خلافهم.
ونحوه خبر عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام، قال: (ما سمعت مني يشبه قول الناس فيه التقية، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه). ولم يفرض في هذه الرواية وجود خبر