منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٧٢
الأول: إخراج الواقعة من المخالفة والمخاصمة المفتقرة إلى القضاء بحملها على السؤال عن حكم المسائل الخلافية المتعلقة بالأموال، فيكون الحديث دليلا على تشريع القضاء في الشبهات الحكمية، لا على ترجيح أحد الحكمين في واقعة جزئية على الاخر.
الثاني: تخصيص المأمور بالمرجحات بالمجتهد، ولا بعد فيه في ذلك العصر. وترجيح الفتوى عند الاختلاف وإن كان بالأعلمية لا بسائر الصفات، لكنه لا يقدح في الاستدلال بالرواية، إذ الرواية و الفتوى والحكومة كانت في العصر السابق متحدة المناط، لان رواة ذلك العصر كانت روايتهم فتواهم وبالعكس. وكذا الحكومة، ولذلك تكون سائر المرجحات دخيلة في الفتوى أيضا.
وأما إشكال تعدد الحاكم المدلول عليه بقوله: (فرضيا أن يكونا الناظرين) فلا بد من تأويله، ولا يبعد أن يكون المراد (فرضيا أن يكون أحدهما ناظرا في أمرهما فاتفق تعارض حكمهما أي فتواهما).
وقريب منه ما أفاده المحقق الميرزا الآشتياني في الشرح وفي كتاب القضاء،، والمصنف في أحد وجهيه في الحاشية.
لكن يشكل حمل صدر المقبولة على كون رجوع المترافعين لمجرد الاستفتاء واستعلام الحكم الشرعي الكلي، فإن عوام الشيعة في عصر الحضور وإن كان لهم الرجوع إلى الأئمة عليهم السلام لتحصيل العلم بالأحكام وإلى الرواة الثقات، كما أرجعوا عليهم السلام جماعة إلى أجلة صحابتهم كزرارة ومحمد بن مسلموأبي بصيروزكريا بن آدم ويونس وغيرهم. وهذه الارجاعات تكون تارة بلسان أخذ الرواية، وأخرى بلسان أخذ معالم الاحكام منهم، سواء أكان بنقل ألفاظ الرواية أم ببيان مضمونها أو تطبيق أصل من الأصول المتلقاة منهم على المورد. إلا أن الكلام في إباء صدر المقبولة عن هذا الحمل، لظهور كلمة (الحكومة) - المتكررة فيها - في الحكومة المصطلحة و فصل النزاع لا مجرد الاستفتاء. مضافا إلى قرائن أخرى.
منها: قول السائل: (بينهما منازعة في دين أو ميراث) فإن المنازعة ظاهرة أولا في كون الرجوع إلى القاضي والسلطان لحسم مادة التشاجر، لان حكمه فاصل للنزاع نافذ عليهما، بحيث لا ينقطع النزاع بمجرد السؤال عن الحكم الكلي، لاحتمال بقاء المرافعة معه من جهة مخالفة أحد المتخاصمين لرأي الحاكم اجتهادا أو تقليدا.