منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٧٣
ومنها: أن تشديد النكير على الترافع إلى سلطان الجور والقاضي المنصوب من قبله لحل المرافعات بقوله عليه السلام: (من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم به فإنما يأخذه سحتا، وإن كان ثابتا، لأنه أخذه بحكم الطاغوت) يدل على أن مقصود عمر بن حنظلة من الرجوع إلى قضاة الجور ليس مجرد الاستفتاء من جهة كون الشبهة حكمية، بل غرضه فصل النزاع المنوط بإنشاء الحكم من قبل الحاكم ثم تنفيذه، وهو عليه السلام لعلمه بمرام السائل حرم عليه الترافع إلى حكامهم وأرشده إلى من يصلح الرجوع إليه بقوله: (ينظر إلى من كان منكم قد روى حديثنا.).
ومنها: أن الرجوع إلى رواة أحاديثهم لاخذ الحكم الكلي منهم لا يناسبه التعبير بقوله (عليه السلام): (فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف) بل المناسب له كما ورد في بعض الاخبار الارجاعية: (لا يجوز لك أن ترده) أو (ما أدى فعني يؤدي) ونحوهما كقوله: (لا عذر لاحد من شيعتنا التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا). ومن المسلم عدم توقف أخذ الرواية من الثقة على جعل الشارع، بل يكفي فيه الوثاقة والأمانة في النقل، بخلاف منصب القضاء المنوط بالنصب ولو بنحو العموم، هذا.
وقد اعترف المحقق الآشتياني (قده) بورود صدر المقبولة في الحكومة المصطلحة، ولأجله تمسك الفقهاء بها في كتاب القضاء في مسائل:
منها: حرمة الترافع إلى غير الفقيه الامامي إلا فيما توقف أخذ الحق على الرجوع إليه.
ومنها: كون المأخوذ بحكمه سحتا وإن كان الاخذ محقا.
ومنها: حرمة الترافع إلى العامي، بل المتجزي.
و منها: لزوم تنفيذ حكم الحاكم وكون رده كفرا. ومعه كيف يتجه حملها على المراجعة إليهم لمجرد الاستفتاء؟ وأما تأويل قوله:
(فرضيا أن يكونا الناظرين) إلى: أن يكون المراد (فرضيا أن يكون أحدهما ناظرا) فهو وإن كان محتملا، لكنه ينافيه قوله بعده:
(فاختلفا في ما حكما) الظاهر في كون كليهما ناظرا في الامر لا واحد منهما. والاشكال في الترافع إلى حاكمين لا يقتضي هذا الحمل ما لم يكن شاهد عليه كما هو واضح.
وعليه، فالحق ما أفاده شيخنا الأعظم من ظهور صدر المقبولة في التحكيم. وهذه الاشكالات لا توجب وهنا في الاستدلال بها على وجوب الترجيح، إذ لو سلم إعراض الأصحاب عنها فإنما هو