منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٩٤
إطلاقهما عليه، كما في الاخذ بأحد الخبرين المتعارضين في قوله عليه السلام: (بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك) و (الاخذ بما اشتهر بين أصحابك وبقول الأفقه والأصدق والأوثق من الحاكمين) كما في المقبولة، وما ورد في الرجوع إلى بعض أجلة الأصحاب.
وكذا الحال في لفظ القبول كقوله عليه السلام في المقبولة: (فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه.) فان القبول هو العمل بالحكم في مقابل الرد الذي هو ترك العمل به وفرضه كالعدم، مثلا إذا حكم الحاكم بكون يوم الجمعة أول شوال ولم يفطر الناس فيه اعتمادا عليه، فقد نقضوا حكمه، فقبول الحكم هو الافطار استناد إليه، لا إلى السفر ونحوه، فالافطار المستند إلى السفر أجنبي عن الحكم ونقض له، ولذا يشكل قصر الصلاة فيه، لكون هذا السفر مصداقا للسفر المحرم.
وعليه فلا ينبغي إنكار ظهور القبول - كالاخذ - في العمل. ولو سلمنا عدم ظهورهما فيه وكونهما أعم من الالتزام والعمل فاللازم إرادة خصوص العمل منهما حملا للظاهر على النص أو الأظهر، وهو العمل الذي فسر به التقليد، أو حملا للمطلق على المقيد بعد التنافي المتحقق لأجل قبوله للزيادة والنقيصة.
هذا كله ما يتعلق بمفهوم التقليد مع الغض عن الأدلة على جوازه أو وجوبه. وإن كان مثل سيرة العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم مقتضيا لكونه بمعنى العمل، إذ ليس بناؤهم على الالتزام القلبي بقول أهل الخبرة، ولعله سيأتي التعرض له.
ومما ذكرنا ظهر الغموض في بعض الكلمات.
فمنها: تفسير التقليد بالالتزام كما في العروة والوسيلة. مع أن سيدنا الفقيه الأصفهاني (قده) قد أجاب عن شبهة الدور، وصرح مقرر بحثه الشريف بأن التقليد هو العمل المستند ونحوه فلاحظ، فالتقرير لا يخلو من تهافت مع الفتوى، فتدبر.
ومنها: تفصيل شيخنا المحقق العراقي (قده) من جعل حقيقة التقليد عرفا الالتزام بقول المجتهد.
إلا أن متعلق الوجوب في حق العامي هو العمل بقوله، فالالتزام لأجل صدق التقليد على غير المستطيع بمجرد التزامه بالعمل بفتاوى مجتهده إذا استطاع، والعمل لأجل أن المطلوب هنا كما في باب الخبر وجوب المعاملة مع الفتوى معاملة الواقع عملا.