منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٩٢
وهذا الالتزام مما لا بد منه بناء على كون الحجة في حق العامي عند تعدد المجتهدين هي صرف الوجود من الفتوى، سواء اختلفوا في الرأي أم اتفقوا عليه.
وأما بناء على إنكار الحجية التخييرية وتعين الاحتياط على العامي في ظرف اختلاف المجتهدين، فعدم وجوب الاختيار ليس لعدم توقف تقليد - بمعين العمل - عليه، بل لأنه من السالبة بانتفاء الموضوع، لتصريح المعترض بانتقال الوظيفة إلى الاحتياط، ولا تقليد لأحدهما حتى يبحث عن اعتبار الاختيار وعدمه فيه.
وإن شئت فقل: إن مقدمية الالتزام للتقليد تدور مدار صدق عنوان التقليد المتقوم بوجود رأي متصف بالحجية شرعا، فلو كان الواجب هو الاحتياط دون التقليد، كان عدم دخل الالتزام لأجل انتفاء موضوعه.
وعليه فالالتزام وإن كان متمما للحجية، إلا أنه أجنبي عن التقليد وخارج عن حريمه، فهو حينئذ بمنزلة تعلم الفتوى في كونه من مبادئ التقليد، لتوقف الاستناد في مقام العمل على إحراز رأي المجتهد.
وقد تحصل: أنه لا داعي إلى جعل التقليد بمعنى الالتزام، لشبهة الدور، أو صدور أول الأعمال لا عن تقليد، وكذا تعريفه بالأخذ إن كان المراد به الالتزام للعمل به، أو قبوله كذلك، بعد اعتراف صاحب الفصول بأن معناه اللغوي هو العمل، حيث قال بعد تقرير شبهة الدور في العبادات: (وقول العلامة في النهاية: - بأن التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة معلومة - بيان لمعناه اللغوي كما يظهر من ذيل كلامه، وإطلاقه على هذا شائع في العرف العام) فهو معترف بعدم كون الاخذ والالتزام معنى لغويا ولا عرفيا للتقليد.
والمناسب له جعل المعنى الاصطلاحي نفس العمل بقول الغير، لان قلادة دين الجاهل لا تجعل على عنق المجتهد إلا بالعمل برأيه، إذ تحمله لمسؤولية أعمال العامي تتوقف على العمل، فالتقليد في الاحكام كالتقليد في الموضوعات منوط بالعمل، فكما أن الأعمي - العامل بإخبار البصير بالوقت والقبلة - لا ينطبق عليه عنوان المقلد إلا إذا طبق عمله على قوله، لا بمجرد الالتزام به وإن لم ينته إلى العمل، فكذلك الحال في التقليد في الاحكام.
ولا داعي إلى رفع اليد عن المعنى اللغوي مع كمال ملائمته لما نحن فيه لو لم يكن المقام من