منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٦٩
وإن كان حقا ثابتا.
ولعل الوجه فيه: أن آخذ المال مأمور بالاحتياط في الأموال، لكونه من الموارد الثلاثة التي انقلب الأصل فيها إلى الاحتياط، فأخذ المال بحكم السلطان مخالف لوجوب الاحتياط.
ولا ينافي سحتية المال المأخوذ بحكمه ما تقرر في محله من (جواز الرجوع إلى الجائر إذا توقف إنقاذ الحق على الرجوع إليه) وذلك لعدم انحصار إنقاذ الحق في الرجوع إلى الجائر في مفروض هذه الرواية، لقول عمر بن حنظلة: (فإن كان كل رجل يختار رجلا من أصحابنا) الظاهر في عدم الاضطرار - الرافع للمحظور - إلى الترافع إلى الجائر، وإمكان حل النزاع بالمراجعة إلى رجل من أصحابنا.
الفقرة الثالثة: قوله عليه السلام: (ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما). تدل هذه الجملة على أن منصب القضاء لهم عليهم السلام بالأصالة، وتتوقف مشروعية قضاء غيرهم على النصب ولو بنحو العموم. وصدر هذه الجملة يدل على الموضوع أعني من له أهلية القضاء وفصل الخصومة، وهو الراوي لحديثهم و الناظر في حلالهم وحرامهم والعارف بأحكامهم، ولا تنطبق هذه الأوصاف إلا على المجتهد الذي استنبط جملة وافية من الاحكام من أدلتها المعهودة، وسيأتي في بحث الاجتهاد والتقليد إن شاء الله تعالى مزيد توضيح له، فانتظر.
الفقرة الرابعة: قوله عليه السلام: (فلم يقبل منه) لا يخفى أن عدم القبول تارة يكون لأجل الجحود وإنكار وجوب إنفاذ حكم الحاكم الجامع للشرائط، وأخرى يكون لعدم العمل على طبقه مع الاعتقاد بوجوب إنفاذه واتباعه كبعض العصاة المعترف بوجوب الصلاة و الصيام مع تركهما تكاسلا.
فإن كان عدم القبول للجحود فهو كجحود سائر الأحكام الضرورية موجب للارتداد. وإن كان عدم القبول في مقام العمل - لا بحسب الاعتقاد - كان المراد بقوله عليه السلام: (على حد الشرك بالله) بعده عن رحمته تعالى.
والظاهر إرادة هذا المعنى. ولا ينافي عدم العمل إطلاق الاستخفاف عليه، لان ترك إنفاذ الحكم نوع استخفاف به.
ثم إنه يستدل بهذه الفقرة على نفوذ حكم الحاكم الجامع للشرائط على كل أحد حتى حاكم آخر، وانتقاض الفتوى بالحكم، كما إذا ترافع شخصان على بيع شئ من المائعات - وقد لاقى عرق الجنب من الحرام مثلا عند من يرى طهارته، فحكم الحاكم بطهارته وبصحة بيعه، وكونه مملوكا لمن