الفرض عليه وعالم بكيفيته وكميته وكان الحامل له على الاتيان به هو التقرب إلى الله عز وجل ثم قام من مكانه وسارع إلى الوضوء ثم توجه إلى مسجده ووقف في مصلاه وأذن وأقام ثم قال " الله أكبر " ثم استمر في صلاته فإن صلاته صحيحة شرعية مشتملة على النية، وهذا هو الذي دلت عليه الأخبار كما أشار إليه في آخر كلامه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي أوقع الناس بالنسبة إلى النية في شباك الوسواس الخناس هو أن جملة من المتأخرين عرفوا النية شرعا بأنها القصد المقارن للفعل، قالوا فلو تقدمت عليه ولم تقارنه سمي ذلك عزما لا نية، ثم اختلفوا في المقارنة فما بين من فسرها بامتداد النية بامتداد التكبير وما بين من فسرها بجعل النية بين الألف والراء وما بين من فسرها بأن يأتي بالنية أولا ثم يبتدئ بالتكبير بلا فصل بينهما وهذا كله يعطي أن مرادهم بالنية إنما هو الكلام النفسي والتصوير الفكري الذي يحدثه المكلف في نفسه ويتصوره في فكره بما يترجمه قوله " أصلي فرض الظهر - مثلا - أداء لوجوبه قربة إلى الله تعالى " وقد عرفت أن النية ليست حقيقة إلا ما ذكرناه أولا، وبذلك يظهر لك ما في كلامه الأول من قوله: " لكن لما كان القصد إلى الشئ المعين موقوفا على العلم به وجب لقاصد الصلاة احضار ذاتها.. إلى آخره " من عدم الملازمة فإنا لا نمنع من وجوب القصد ومعرفة المقصود بجميع ما يتوقف عليه ولكنا نقول إن الجميع قد صار معلوما للمكلف قبل ذلك فمتى دخل عليه الوقت وقام قاصدا للصلاة على الوجه الذي قدمناه فإنه يكفي مجرد ذلك القصد والعلم الأولين لاستمراره عليهما وعدم تحوله عنهما فلا يتوقف على استحضار آخر كما في سائر أفعال المكلف، ولا فرق بين سائر أفعاله، وبين عبادته إلا باعتبار اشتراط القربة في العبادة وهو لا يوجب هذا الاستحضار بل هو كأصل النية مستحضر من أول الأمر مقارن له غير مفارق.
وكأنهم توهموا أنه ما لم يحصل الاستحضار المذكور والمقارنة بهذه النية التي ذكروها يصير الدخول في الصلاة عاريا عن النية لأن النية السابقة غير كافية عندهم لامكان