بها وهي المشار إليها في كلامهم بالعلل الغائية، مثلا - يتصور الانسان أن دخوله على زيد وزيارته له وخدمته له موجب لاكرامه له، وكتابة هذا الكتاب موجب لانتفاعه به، وتزويجه امرأة موجب لكسر الشهوة الحيوانية أو حصول النسل، ونحو ذلك من الدواعي الحاملة على الأفعال، فإذا تصورت النفس هذه الأغراض انبعث منها شوق إلى جذبها وتحصيلها فقد يتزايد هذا الشوق ويتأكد ويسمى بالإرادة، فإذا انضم إلى القدرة التي هي هيئة للقوة الفاعلة انبعثت تلك القوة لتحريك العضلات إلى ايقاع تلك الأفعال وايراد ها وتحركت إلى اصدارها وايجادها لأجل غرضها الذي تصورته أولا، فانبعاث النفس وتوجهها وقصدها إلى ما فيه غرضها هو النية، نعم قد يحصل بسبب تكرار الفعل والاعتياد عليه نوع ذهول عن تلك العلة الغائية الحاملة على الفعل إلا أن النفس بأدنى توجه والتفات تستحضر ذلك كما هو المشاهد في جملة أفعالنا المتكررة منا، وحينئذ فليست النية بالنسبة إلى الصلاة إلا كغيرها من سائر أفعال المكلف من قيامه وقعوده وأكله وشربه ومغداه ومجيئه ونكاحه ونومه ونحو ذلك من الأفعال التي تتكرر منه، ولا ريب أن كل عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال إلا بقصد ونية سابقة عليه مع أنه لا يتوقف شئ من ذلك على هذا الاستحضار الذي ذكروه والتصوير الذي صوروه.
وإن أردت مزيد ايضاح لما قلناه فانظر إلى نفسك إذا كنت جالسا في مجلسك ثم دخل عليك رجل عزيز حقيق بالقيام له تواضعا ففي حال دخوله قمت له اجلالا واكراما كما هو الجاري في رسم العادة فهل يجب عليك أن تتصور أولا في ذهنك وخيالك معنى من المعاني وقصدا من القصود بأن تقصد أني أقوم لهذا الرجل اجلالا له واعظاما لقدره وإلا لكان قيامك وتواضعك بغير نية فلا يسمى تواضعا ولا تستحق عليه مدحا ولا ثوابا أم يكفي مجرد قيامك في تلك الحال ويصدق أنه وقع منك التعظيم له والاجلال؟
وهذا شأن الصلاة وأن المكلف إذا دخل عليه وقت الظهر مثلا وهو عالم بوجوب ذلك