ليس بعائذ إنما هو طالب العياذ به كما يقول " أستخير الله " أي أطلب خيرته " وأستقيل " أي أطلب إقالته " واستغفر " أي اطلب مغفرته، لكنها هنا قد دخلت في فعل الأمر وفي امتثاله بخلاف الاستعاذة، وبذلك يظهر الفرق بين الامتثال بقوله " أستغفر الله " دون " أستعيذ بالله " لأن المغفرة إنما تكون من الله فيحسن طلبها والالتجاء إنما يكون من العبد فلا يحسن طلبه. فتدبر ذلك فإنه لطيف، ويظهر منه أن كلام الجوهري ليس بذلك الحسن وقد رده جماعة من المحققين.
واعترضه شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (عطر الله مرقده) في كتاب الفوائد النجفية فقال بعد نقل ذلك عنه: أقول لا يخفى على المتأمل بعين البصيرة أن ما أفاده الشيخ (قدس سره) من النكتة التي سماها دقيقة ظاهرة الاختلاف كما لا يخفى على أرباب الكمال، لأنه إذا كان معنى " استعذ " اطلب منه أن يعيذك فامتثال الأمر بقوله " أستعيذ " ظاهر لا سترة فيه لأن معناه أطلب من الله أن يعيذني لأن السين والتاء شأنهما الدلالة على الطلب كما لا يخفى. وأما الامتثال بقوله " أعوذ بالله " فغير ظاهر إلا بجعل هذه الجملة مرادا بها الطلب والدعاء، وأما إذا بقيت على ظاهرها من الأخبار بالالتجاء إلى الله فظاهر عدم تحقق الامتثال بها لما علمت. ومن العجب قوله " لأن قائله متعوذ قد عاذ والتجأ والقائل " أستعيذ " ليس بعائذ وإنما هو طالب العياذ به " فإنه كلام متهافت مختل النظام إذ ظاهر أن القائل باللفظين أراد طلب الإعاذة منه سبحانه لكن دلالة اللفظ الثاني عليه ظاهرة قضية السين والتاء وأما دلالة الأول فبناء على إرادة الانشاء لا الأخبار والامتثال في الأول أوضح قطعا، وكأنه بنى ما ذكره على أن معنى " أستعيذ " أطلب اللجوء إلى الله تعالى فإن معنى " استعذ بالله " أي اطلب منه أن يعيذك فلا يكون الأول امتثالا للثاني. ولا يخفى ما فيه من التحكم والتمحل لظهور أنه إذا كان معنى الأمر ما ذكره انسحب مثله في " أستعيذ " ضرورة. وما أعجب من يتحكم فيفصل بين الفعلين في المعنى المأخوذ فيهما ليترتب عليه ما تخيله من عدم صلاحية