فكل موضع ثبت فيه استحباب قراءة هاتين السورتين حكموا بجواز العدول عن سورتي التوحيد والجحد إليهما تحصيلا لفضليتهما في ذلك الموضع، وقد تقدم نقل مذاهبهم في محل السورتين المذكورتين ونقل مذهب الجعفي باستحبابهما في هذه المواضع التي نقلت عنه هنا، فكأنهم بنوا الحكم على عموم الأخبار الدالة على استحباب هاتين السورتين سواء كان ابتداء أو مع العدول عن سورتي الجحد والتوحيد.
وفيه أن الأخبار الدالة على أنه بالشروع في الجحد والتوحيد فإنه لا يجوز العدول عنهما مطلقا شاملة باطلاقها لسورتي الجمعة والمنافقين وغيرهما، وقد وردت بإزائها روايات مخصصة بالعدول منهما إلى هاتين السورتين في هذا الموضع المخصوص أعني صلاة الجمعة خاصة، فالقول بالعدول وتخصيص تلك الأخبار في غير الجمعة يحتاج إلى دليل، ومجرد استحباب هاتين السورتين في هذه المواضع لا يكفي في التخصيص كما لا يخفى. والله العالم.
تنبيهات (الأول) - المشهور في كلام الأصحاب ولا سيما المتأخرين من العلامة ومن تأخر عنه أنه مع العدول يجب أن يعيد البسملة لأن البسملة آية من كل سورة وقد قرأها أولا بنية السورة المعدول عنها فلا تحسب من المعدول إليها، ولأن البسملة لا يتعين كونها من سورة إلا بالقصد. وصرحوا أيضا بأنه يعيدها لو قرأها بعد الحمد من غير أن يقصد بها سورة معينة بعد القصد، حيث إن البسملة صالحة لكل سورة فلا تتعين لإحدى السور إلا بالتعيين والقصد بها إلى إحداها وبدونه يعيدها بعد القصد.
وجملة من المتأخرين فرعوا على هذا الأصل تفاصيل في كلامهم فقالوا لا يشترط في الحمد القصد ببسملة معينة لتعينها ابتداء فيحمل اطلاق النية على ما في ذمته، وكذا لو عين له سورة معينة بنذر أو شبهه أو ضاق الوقت إلا عن أقصر سورة أو لا يعلم إلا تلك السورة فإنه يسقط القصد كالحمد، لأن السورة لما كانت متعينة بتلك الأسباب اقتضت