ثم إنه من المحتمل قريبا أيضا - ولعله الأولى والأرجح في المقام - حمل روايات نفي البأس عن الاقعاء بمعنى الجلوس على العقبين كما ذكرنا على التقية، حيث إن مذهب جماعة من العامة استحبابه ونقلوا عن ابن عباس أنه السنة، وعن طاووس قال: رأيت العبادلة يفعلون ذلك: عبد الله بن عمر وابن عباس وابن الزبير (1).
وقال بعض شراح صحيح مسلم في باب الاقعاء (2) بعد نقل حديث ابن عباس أنه سنة: إعلم أن الاقعاء ورد فيه حديثان ففي هذا الحديث أنه سنة وفي حديث آخر النهي عنه، رواه الترمذي وغيره من رواية علي (عليه السلام)، وابن ماجة من رواية أنس، وأحمد بن حنبل من رواية سمرة وأبي هريرة، والبيهقي من رواية سمرة وأنس وأسانيدها كلها ضعيفة. وقد اختلف العلماء في حكم الاقعاء وفي تفسيره اختلافا كثيرا لهذه الأحاديث، والصواب الذي لا معدل عنه أن الاقعاء نوعان: (أحدهما) أن يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كاقعاء الكلب، هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي. و (النوع الثاني) أن يجعل ألييه على عقبيه بين السجدتين، وهذا هو مراد ابن عباس أنه سنة، وقد نص الشافعي على استحبابه في الجلوس بين السجدتين: وحمل حديث ابن عباس عليه جماعات من المحققين: منهم - البيهقي والقاضي عياض وآخرون، قال القاضي وقد ورد عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه، قال وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس من السنة أن تمس عقبيك ألييك، فهذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس، وقد ذكرنا أن الشافعي نص على استحبابه في الجلوس بين السجدتين. انتهى. ومما ذكرناه يظهر قرب حمل أخبار الجواز على التقية.