أقول: والكلام في ما اشتملت عليه هذه الأخبار يقع في مواضع (الأول) وجوب السجود في العزائم الأربع المذكورة في هذه الأخبار بقراءتها أو استماعها مما انعقد عليه اجماع الأصحاب، وعليه دل الخبر الثاني والرابع والسادس والتاسع والثاني عشر والسادس عشر والسابع عشر والعشرون والثاني والعشرون.
وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة - بناء على أصله الغير الأصيل وقاعدته الخالية من الدليل من أن هذه الأخبار وإن لم تكن مصرحة بالوجوب كما نبهنا عليه كثيرا لكن انضمام عمل الأصحاب وفهمهم يقتضي المصير إلى الوجوب - ففيه ما عرفت مما أوضحناه في غير مقام مما تقدم. والتجاؤه هنا إلى عمل الأصحاب وفهمهم إنما نشأ من ضيق الخناق، وإلا فالواجب على الفقيه هو العمل بالأحكام الشرعية بمقتضى الأدلة الواضحة الجلية لا تقليد العلماء وما فهموه فإنها مرتبة المقلدين القاصرين عن رتبة الاستنباط والاستدلال، والواجب عليه بمقتضى قاعدته وعدم ثبوت الوجوب عنده من الأخبار هو نفي الوجوب لعدم الدليل في أمثال هذا الموضع وهو خروج من الدين بما لا يشعر به قائله وكفى به شناعة.
وكيف كان فكما أنعقد الاجماع على الوجوب في هذه المواضع الأربعة انعقد أيضا على الاستحباب في باقي الخمس عشرة، وعليه يدل الخبر الثالث عشر والعشرون والحادي والعشرون وبذلك يظهر لك ما في قول صاحب المدارك هنا حيث قال: وأما استحباب السجود في غير هذه الأماكن الأربعة من المواضع الخمس عشرة فمقطوع به في كلام الأصحاب مدعى عليه الاجماع ولم أقف فيه على نص يعتد به. انتهى. فإن فيه أنه إن أراد بالنص الذي يعتد به ما كان صحيح السند بناء على اصطلاحه فالخبر العشرون صحيح السند لأن البزنطي صاحب الكتاب رواه عن العلاء عن محمد بن مسلم والثلاثة ثقات بالاتفاق، على أنه في غير موضع من كتابه يعمل بالخبر الضعيف في السنن ومتى ظن في خبر ظاهره الوجوب أو التحريم بضعف السند حمله على الاستحباب أو الكراهة