قال لا تقع الخشية إلا ممن يقبل أثر ما يخشى منه فهو عنده بالذوق علم ذلك وفي ذاته طلب التأثير لما عنده من دعوى الربوبية لكونه خلق على الصورة فلا بد أن يخشى أيضا هو لما يطلبه من التأثير في غيره كما نخشى ممن يؤثر فيه والعارف قد يقام في حال لا يخشى ولا سبيل أن يقام في حال لا تخشى لأن ذلك ليس له نعم قد يكون في نفسه شاهدا لحاله يقول إنه لو شوهدت منه ما يخشاه أحد وذلك ليس بصحيح إنما يكون هذا ممن يجهل ذاته وما تعطيه ما رأى الصيد إنسانا لا فر منه ويخشاه وإن لم يقم بنفس ذلك الإنسان صيد ذلك الهارب منه وقد لا يراه ويكون ظهره إليه فليس في وسع المخلوق أنه لا يخشى وقد يكون في وسعه أنه لا يخشى ولكن لا على الدوام إلا أن يغفل عن ذلك لا غير ومن ذلك المقيت يطلب التوقيت الله عين أقواتا وقدرها * فهو المقيت وباسم الدهر يحجبه فالعقل يستره والنفس تظهره * والروح يكتمه والحس يرقبه والنور يحرقه والسر يكنفه * والشوق يتلفه وجدا ويذهبه والوجد يقدح زند الحب في كبد * حرا والهة والريح تلهبه قال ترتيب الإيجاد يؤذن بالتوقيت ولا يتولى ذلك إلا الاسم المقيت لأنه القائل وما ننزله إلا بقدر معلوم وقوله إنا كل شئ خلقناه بقدر وقال ولكن ينزل بقدر ما يشاء وهو الثابت الواقع ولا حكم لأداة لو فإن كلمة لو زرعت ما نبت عنها شئ ويخسر البذر فمتى سمعت لو حيث سمعتها فلا تنظر إلى ما تحتها فإن ما تحتها ما يوجد فلا تخف منها ولا من دلالتها وليكن مشهودك الواقع خاصة فإنه ما رأيت أعظم أثرا من أثر المعدوم في نفوس العالم وسبب ذلك الإمكان فيخاف الإنسان أمرا ما وذلك الأمر معدوم ما وجد وقد أثر فيه الخوف وما يتبعه هذا أثر المعدوم فكيف أثر الموجود ومن ذلك الحبيب قريب قال الحبيب قريب من الحب لأنه الذي يتعلق به لا من المحب فالحب لا يجول المسافات البعيدة النابية ولا التنويهات الشريفة التي لا ترتفع أحكامها عن قرب الحب من الحبيب والمحب قد يكون له القرب من الحبيب وقد لا يكون فالحب قريب من المحب لقيامه به وقريب من المحبوب لتعلقه به فإنه لا تعلق له بغير محبوبه فقد انفرد إليه والمحب تبع للحب لقيامه به والحبيب ليس بتابع لحب المحب وإن تعلق به بل هو مع ما يقوم به فإن قام به حب المحب أحبه فعاد المحب حبيبا فصح الطلب من الطرفين ولا عايق إلا إن كان من خارج أو من محال أي لا تعطي الحقائق الاتصال فمن عرف الحب عرف كيف يحب كان شيخنا يطلب شهوة الحب لا الحب وذلك أن شهوة الحب قرب الحبيب من المحب ومن ذلك ليس من الخير حب الغير قال ما أحب المحب في غيره إلا نفسه فما أحب الغير ولا يصح حب الغير أبدا لأن حب الغير ما فيه خير فإذا كان فيه خير يعود على المحب فنفسه أحب لأنه أحب إعادة ذلك الخير عليه ثم لتعلم إن ذلك الغير من حقيقته أن يكون له وجود ما هو عين هذا الآخر والمحبوب أبدا لا يكون إلا معدوما إما في موجود أو لا في موجود فإن الموجود محال أن يحب لذاته وإنما يحب لأمر عدمي ذلك الأمر العدمي هو المحبوب منه أن يكون والعدم ليس بغير للمحب ولا يزال هذا المعدوم المحبوب منوطا بالمحب لقيام حبه به وتعلقه بذلك المحبوب فلا يزال متصلا به وصل خيال حتى يقع في الحس هذا شأنه في المخلوق وفي الحق الإيجاد ومن ذلك من بلغ الغاية في الاتساع ضاق قال لا أوسع من الخلاء إذ الاتساع لا يوصف به إلا الخلاء فإذا امتلأ الخلاء ضاق بلا شك فإن الممكنات لا نهاية لها وقد ضاق الخلاء عنها لأنه امتلأ فضاق المتسع فجعل الله فيما أوجد من الملأ في الخلاء الاستحالات فلا يزال يخلع صورة فيلحقها بالثبوت والعدم ويوجد صورة من العدم في هذا الملأ فلا يزال التكوين والتغيير فيه أبدا بالاستحالات في الدنيا والآخرة بل في الوجود كله وهذه هي الشؤون التي الحق فيها في كل يوم من أيام الدنيا والآخرة بل من أيام الوجود فما ضاق عن الاستحالات فإنه تفريغ وأشغال فهو بعمارة الخلاء قد ضاق وبالتفريغ والإشغال فيه ما ضاق فلا يزال الخلاء ممتليا على الدوام لا يعقل فيه خلو ليس فيه ملأ ومن ذلك لا غاية في الغاية قال لو كانت في الغاية غاية ما كانت غاية والعالم غايته في طلب الحق والحق غايته الخلق لأن غايته المرتبة وليست سوى كونه إلها فهو
(٤٢٦)