يتصفوا بالظلم في حقها فلا يزالون مراقبين للعالم دائما أبدا وهذا حظهم من قوله وكان الله على كل شئ رقيبا فمن راقب بعين الله لم يشغله شأن عن شأن فهو يتصرف في كل شئ بذاته لأنه إلهي المشهد والقبول من المتصرف فيه فالمتصرف مستريح من هذا الوجه ومن راقب بعين نفسه من خلف حجاب ذاته فهو في غاية من الجهد والتعب فلا يزال في نصب ما دامت هذه صفته فبالنور تدرك أنواره * وبالنور يدرك ما يدرك * فمن يكن بنعت حق له * يملك بالذات ولا يملك وهذا القدر من الإشارة في هذه المنازلة كاف لمن عقل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب التاسع والخمسون وأربعمائة في معرفة منازلة وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) ثلاثة كلهم مصطفى * ذو الظلم والسابق والمقتصد ورثهم كتابه فاعتلوا * بالعلم في ذاك عن المعتقد واختارهم لنفسه فاعتلت * همتهم عن كل أمر شهد قال الله تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير أي كل ذلك بأمر الله فالظالم لنفسه لعلمه بقدرها عند الله فهو يظلم لها لا يظلمها فيعطي كل ذي حق حقه إلا الحق فإنه لا يعطيه كل حقه بل يعطيه من حقه تعالى ما يسمى به أديبا وما لا يسمى به أديبا يظلمه فيه من أجل نفسه حتى يلحق برتبة الأنبياء فمثل هذا الظلم من الفضل الإلهي على عبده فمن كان مشهده هذا سمي ظالما لنفسه مع أنه مصطفى وما أوقفه على ذلك إلا علمه بالكتاب فهو يحكم به كما قال الذي عنده علم من الكتاب لسليمان ع أنا آتيك به قبل إن يرتد إليك طرفك فلولا الكتاب ما علم آصف بن برخيا ذلك وأما المقتصد فهو الذي اقتصد في كل موطن على ما يقتضيه حكم الموطن فهو بحكم الموطن لا بحكم نفسه وهو أهل الله الأخفياء الأبرياء فمشهد الظالم ما يجب للحق فلا ينسبه إليه ومشهد المقتصد المواطن وما تستحق فالظالم يدخل في حكم المقتصد ولهذا كان المقتصد وسطا لأنه على حقيقة ليست للطرفين وفيه من حكم الطرفين ما يحتاج إليه أو يندرج فيه وأما السابق بالخيرات فهو الذي يتهيأ لحكم المواطن قبل قدومها عليه وتجتمع هذه الأحوال في الشخص الواحد فيكون ظالما مقتصدا سابقا بالخيرات والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الستون وأربعمائة في معرفة منازلة الإسلام والايمان والإحسان الأول والثاني) علمت أني هممت * ولكن ما فهمت * مراد الله فيه * لكوني ما شهدت فإسلام تبدي * بقولي قد سلمت * به من كل سوء * به أيضا نعمت وإيمان خفي * ولكن ما كتمت * وإحسان أراه * بتشبيه فقلت تعالى عن شهودي * لأني قد جهلت * بأن الحق فيه * وحقا ما قصدت وعلمي شاهد لي * بأني قد شهدت قال الله تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا وقال هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وورد في الخبر الصحيح الفرق بين الايمان والإسلام والإحسان فالإسلام عمل والايمان تصديق والإحسان رؤية أو كالرؤية فالإسلام انقياد والايمان اعتقاد والإحسان إشهاد فمن جمع هذه النعوت وظهرت عليه أحكامها عم تجلى الحق له في كل صورة فلا ينكره حيث تجلى ولا يظهره في الموطن الذي يحب أن يخفى فيه فيساعد الحق لعلمه بإرادته لعلمه بالمواطن وما يستحقه فما أشرف هذه المنزلة لمن تدلى عليها من شرف فهو المؤمن للمؤمن والمحسن للمحسن وهو المسلم للسلام فإن الحق إذا فعل ما يريده منه العبد فقد انقاد له فيقول العبد رب اغفر لي فيغفر له لأنه صادق في قوله هل من مستغفر فاغفر له فلقد فات الناس خير كثير لجهلهم وما توغلوا فيه من تنزيه الحق حتى أكذبوه ولهذا قال يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق وليس الحق إلا ما قاله عن نفسه فلولا ما علم إن العالم بعلمه ما قال لهم
(٧٣)