عباده فهو في هذه المسألة كالموصي فهو مورث لا وارث وما هو وارث إلا إذا مات من عليها فإنه قد وقعت الفرقة بين المالك والمملوك فهو الوارث لهما فهو قوله إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ولم يقل ومن فيها لأن الميت من حيث جسمه فيها لا عليها فإذا نزهت الحق عن خلقه الأشياء لنفسه وإنما خلقها بعضها لبعضها فقد فارقها من هذا الوجه وفارقته وتميز عنها وتميزت عنه فراقا ما فيه اجتماع فأنت وارث والحق موروث منه وهو قوله يورثها من يشاء من عباده وهو الذي أطلعه الله على هذا العلم الذي فرق به بين الخالق والمخلوق فخلق الخلق للخلق لا لنفسه فإن المنافع إنما تعود من الخلق على الخلق والله هو النافع الموجد للمنافع وإن كان خلقنا لنعبده فمعناه لنعلم أنا عبيد له فإنا في حال عدمنا لا نعلم ذلك لأنه ما ثم وجود يعلم فهو سبحانه الحي الذي لا يموت مع أنه يتميز عن خلقه بما هو عليه من صفات الجلال والكبرياء الذي لا نعقله إلا منا فما نعلم الإجلال الحادثات وكبريائها لا غير ولا تنسب إليه ما نحن عليه مما حمده الحق أو ذمه فينا فإن ذلك كله محدث والمحدثات لا نصفه بها وإنما نصفه بإيجادها وما أوجده لا يقوم به فالكبرياء والجلال الذي ننسبه إليه غير معلوم لنا فإنه لا يقبل جلالنا ولا كبرياءنا وجميع ما نحن عليه من الصفات وصف نفسه بها ثم نزه نفسه عنها فقال سبحان ربك رب العزة وهي المنع عما يصفون فأخذنا هذه الصفات التي كنا نصفه بها بعد تنزيهه عنها بحكم الورث لأنه قد وصف نفسه بها ووصفناه بها فقام التنزيه بعد ذلك مقام الورث لنا فهو يرثنا بالموت ونحن نرثه بالتنزيه فكل وصف فعلينا يعود * من كل ما أظهره في الوجود فالجود لله على خلقه * ونحن من إحسانه في مزيد فنحن بالحق كما هو بنا * فإنه المولى ونحن العبيد وإن في ذلك ذكرى لمن * كان له قلب وكان الشهيد والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الصبور حضرة الصبر) عبد الصبور هو الذي لا يصبر * إلا به فهو الذي لا يضجر يشكى إليه ويشتكي بالحال في * صمت فتبصره به يتضرر حبست نفسي لربي * وإنني لصبور * وإن ربي بحالي * كما علمت خبير فإن أقل * فيه قولا * فالقول * صدق وزور وإنني لصدوق * فيما أقول بصير * ما لي إليه دليل * ما لي عليه نصير عبد الصبور قال الله تعالى إن الذين يؤذون الله فوصف نفسه بأنه يؤذي ولم يؤاخذ على أذاه في الوقت من أذاه فوصف نفسه بالصبور لكنه ذكر لنا من يؤذيه وبما ذا يؤذيه لنرفع عنه ذلك مع بقاء اسم الصبور عليه ليعلمنا أنا إذا شكونا إليه ما نزل بنا من البلاء من اسم ما من الأسماء إن تلك الشكوى إليه لا تقدح في نسبة الصبر إلينا فنحن مع هذه الشكوى إليه في رفع البلاء عنا صابرون كما هو صابر مع تعريفنا وإعلامه إيانا بمن يؤذيه وبما يؤذيه لننتصر له وندفع عنه ذلك وهو الصبور ومع هذا التعريف فنحن الصابرون مع الشكوى إليه فلا أرفع ممن يدفع عن الله أذى إن تنصروا الله ينصركم فمن كان عدوا لله فهو عدو للمؤمن وقد ورد في الخبر ليس من أحد أصبر على أذى من الله لكونه قادرا على الأخذ وما يأخذ ويمهل باسمه الحليم وعلى الحقيقة فما صبر على أحد وإنما صبر على نفسه أعني على حكم اسم من أسمائه لأن الأذى إنما وقع بالنطق وما أنطق من نطق بما يقع به الأذى إلا الذي أنطق كل شئ وهو الله تعالى قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ والجلود عدل فإن الله قبل شهادتهم على من أقامها عليهم وقال المنطقون اتخذ الله ولدا وأمثال ذلك وكذبوا الله وشتموه وسبوه مختارين ذلك مع علمنا بأنهم مجبورون في اختيارهم منطقون بما أراده لا بما رضيه إلا أن الدقيقة الخفية إن الله نطقهم أي أعطاهم قوة النطق التي بها نطقوا وبقي عين ما نطقوا به
(٣١٧)