فمن ينزهه عنه يشبهه * به فهذا الذي قد قلته فيه وذلك أن الإنسان لا يخلو أن يجعل معبوده مثلا أو ضدا أو خلافا وعلى كل وجه فقد فرق بين الله وبين العالم فهذا الفرقان الذي تعطيه التقوى لا بد أن يكون فرقانا خاصا وليس سوى الفرقان الذي يكون في عين القرآن فإن القرآن يتضمن الفرقان بذاته وإنما نسب الجعل إلى هذا الفرقان لأن التقوى أنتجه فأما أن يكون جعله ظهوره لمن اتقاه مع كونه لم يزل موجود العين قبل ظهوره أو يكون جعله خلقه فيه بعد أن لم يكن وما هو إلا الظهور دون الخلق فإنه أعقبه بقوله ويكفر عنكم أي يستروا لستر ضد الظهور فلا يخلوا العبد في تقواه ربه أن يجعل نفسه وقاية له عن كل مذموم ينسب إليه أو يجعل ربه وقاية له عن كل شدة لا يطيق حملها إلا به وهو لا حول ولا قوة إلا بالله وهو قوله وإياك نستعين فيلتقي به شدائد الأمور التي هي محبوبة لله مكروهة طبعا كما تجعل نفسك وقاية له تنفي بها عنه كل مذموم شرعا محمود محبوب طبعا فينتج لك كونه وقاية لك علم كل شدة فتتجلى لك أسماؤها الإلهية كلها بتفاصيلها وأنواعها وهذا من الفرقان وينتج لك كونك وقاية له كل مذموم ومكروه فتتجلى لك أسماؤه الإلهية كلها بتفاصيلها وأنواعها وهذا من الفرقان فيحمدك الله في الحالتين فإن الله لا يعطي العلم إلا من يحب وقد يعطي الحال من يحب ومن لا يحب فإن العلم ثابت والحال زائلة ولولا الفرقان الذي في عين التقوى ما أنتج التقوى فرقانا فإن الشئ لا ينتج إلا مثله ولا يكون إلا ذلك ولهذا كان العالم على صورة الحق فمن غلب عليه طبعه كان شبهه بأمه أقوى من شبهه بأبيه ومن غلب عليه عقله كان شبهه بأبيه أقوى من شبهه بأمه لأن العالم بين الطبيعة والحق وبين الوجود والعدم فما هو وجود خالص ولا عدم خالص فالعالم كله سحر يخيل إليك أنه حق وليس بحق ويخيل إليك أنه خلق وليس بخلق إذ ليس بخلق من كل وجه وليس بحق من كل وجه فإنا لا نشك في المسحور فيما يراه أن ثم مرئيا ولا بد كما قال يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فالسعي مرئي بلا شك وبقي الشأن فيمن هو الساعي فإن الحبال على بابها ملقاة في الأرض والعصي فيعلم قطعا إن الخلق لو تجرد عن الحق ما كان ولو كان عين الحق ما خلق ولهذا يقبل الخلق الحكمين ويقبل الحق أيضا الحكمين فقبل صفات الحدوث شرعا وقبل صفات القدم شرعا وعقلا فهو المنزه المشبه وقبل الخلق الحكمين وهما أنه جمع بين نسبة الأثر له في الحق بما أعطاه من العلم به كما ذكرناه في غير موضع وبين نسبة الأثر فيه من الحق وهو أنه أوجده ولم يكن شيئا أي لم يكن موجودا فالفرقان لم يزل في نفس الأمر ولكن ما ظهر لكل أحد في كل حال من الأحوال في كل حال من الأحوال فرقان * أتى بذلك تشريع وبرهان وهذا الفرقان الذي أنتجه التقوى لا يكون إلا بتعليم الله ليس للنظر الفكري فيه طريق غيره فإن أعطاه الله الإصابة في النظر الفكري فما هو هذا العلم الخاص فإن الطريق تميز العلوم المشتبهة بالصورة المختلفة بالذوق وأتوا به متشابها فاعلم ذلك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني عشر وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله كلما نضحت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) كلما أنضج اللهيب جلودا * بدل الله للعذاب جلودا أبدا ينتهي القضاء إليه * أورث القوم في الجحيم خلودا جعل الله منهم وعليهم * عند ما ينقضي السؤال شهودا فإذا أدت الشهادة فيهم * ملكوا الفوز والنعيم الجديدا يقول الله تعالى إخبارا عنهم وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله أي بالشهادة عليكم لأنهم شهداء عدول مقبولون القول عند الله وكانوا في الدنيا غير راضين بما كانت النفس الناطقة الحيوانية تصرفهم فيه زمان حكمها وإمارتها عليهم وعلى جميع جوارحهم من سمع وبصر ولسان ويد وبطن وفرج ورجل وقلب وإنما سميت الجلود بهذا الاسم لما هي عليه من الجلادة لأنها تلتقي بذاتها جميع المكاره من جراحة وضرب وحرق وحر وبرد وفيها الإحساس وهي مجن النفس الحيوانية لتلقى هذه المشاق فما في الإنسان أشد جلادة من جلده ولهذا
(١٥١)