ولتضرروا فإذا عقلت فليس النعيم إلا الملايم وليس العذاب إلا غير الملايم كان ما كان فكن حيث كنت إذا لم يصبك إلا ما يلائمك فأنت في نعيم وإذا لم يصبك إلا ما لا يلائم مزاجك فأنت في عذاب حببت المواطن إلى أهلها وأهل النار الذين هم أهلها هي موطنهم ومنها خلقوا وإليها رجعوا وأهل الجنة الذين هم أهلها منها خلقوا وإليها رجعوا فلذة الموطن ذاتية لأهل الموطن غير أنهم محجوبون بأمر عارض عرض لهم من أعمالهم من إفراط وتفريط فتغير عليهم الحال فحجبهم عن لذة الموطن ما قام بهم من الأمراض التي أدخلوها على أنفسهم حتى إنهم لو لم يعملوا ما يوجب لهم وجود الآلام والأسقام وحشروا من قبورهم على مزاج وطنهم وخيروا بين الجنة والنار لاختاروا النار كما يختار السمك الماء ويفر من الهواء الذي به حياة أهل البر فيموت أهل البر بما يحيا به أهل الماء ويموت أهل الماء بما يحيا به أهل البر فاعلم ذلك وأنت فلا يصح لك البقاء مع الحق على الدوام فإنه لا بد أن يقال ردوهم إلى قصورهم ولم يقل ردوهم إلى بيوتهم ولا إلى أزواجهم فما جاء بلفظ القصور إلا للمعنى المعقول منه فإذا ردوهم إلى قصورهم وأشرفوا على ملكهم فمن المحال أن يظهروا فيه عبيدا وإنما يظهرون فيه ملوكا فيعظمهم أهلهم وتقوم العزة عليهم في نفوسهم فتقول لهم الحقيقة ليكن عزكم الذي اقتضاه لكم الموطن بالله لا بنفوسكم فيعتزون في ملكهم بعز الله فتكون العزة لله بالأصالة ولرسوله وللمؤمنين خلعة إلهية لا بالأصالة فيسعدون بهذا العلم عند الله ويجدونه في التجلي المستأنف مع أن العلماء بالله لا يزالون في تجل دائم لما علموا أن الحق عين كل صورة ومع هذا فلهم التجلي العام في الكثيب فإن ذلك يعطي ذوقا آخر خلاف هذا الذوق الذي يجدونه دائما والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى السفر الثامن والعشرون بانتهاء الباب العاشر وأربعمائة بسم الله الرحمن الرحيم (الباب الأحد عشر وأربعمائة في معرفة منازلة فيسبق عليه الكتاب فيدخل النار من حضرة كاد لا يدخل النار) فخافوا الكتاب ولا تخافوني فإني وإياكم على السواء في مثل هذا قال تعالى ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد لحكم الكتاب على الجميع وعليهم أفمن حق عليه كلمة العذاب فما أصعب الأمر عند العاقل الخبير إن خوف الكتاب شر ذنوبي * إذ له الحكم في الوجود وفينا وقرأناه في الكتاب صريحا * ورأيناه فيه حقا يقينا لا يخاف الإله إلا لكون * حادث منه حل بالعالمينا قال رسول الله ص في الصحيح عنه إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس حتى ما يبقى بينه وبين الجنة إلا شبر فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار وكذلك قال في أهل الجنة ثم قال وإنما الأعمال بالخواتيم وهي على حكم السوابق فلا يقضي الله قضاء إلا بما سبق الكتاب به أن يقضي فعلمه في الأشياء عين قوله في تكوينه فما يبدل القول لديه فلا حكم لخالق ولا مخلوق إلا بما سبق به الكتاب الإلهي ولذا قال وما أنا بظلام للعبيد فما نجري عليهم إلا ما سبق به العلم ولا أحكم فيهم إلا بما سبق به فهذا موقف السواء الذي يوقف فيه العبد إذا كان علم الحق في الحق يحكم * ففي خلقه أحرى فمن يتحكم وليس بمختار إذا كان هكذا * فكل إلى سبق الكتاب مسلم فما الخوف إلا من كتاب تقدمت * له سور فينا وآي وأنجم فلو كان مختارا أمناه أنه * رؤوف رحيم بالعباد وأرحم وأخبر في البشرى برحمته التي * يكون لها السبق الكريم المقدم على غضب أبداه فعل عبيده * يزول محمد الله عنه وعنهم
(١٥)