الآخرة وسبب ذلك أن كل علم يحصل للإنسان في الدنيا من العلم بالله خاصة فإن محمدا ص قد علمه فإنه علم علم الأولين والآخرين وأنت من الآخرين بلا شك وأما في غير العلم بالله فقد يعطاه الإنسان من الوجه الخاص فلا يعلم إلا منه فهو رسول في تعليمه إلى من يعلمه بذلك هذا أعطاه مقام محمد ص وليست الفائدة إلا في العلم بالله تعالى فإنه العلم الذي به تحسن صورة العالم في نفسه فالعلم بالله من الرسول في المتعلم أعظم وأنفع من العلم الذي يحصل لك من الوجه الخاص إذا كان المعلوم كونا ما من الأكوان ليس الله فما الشرف للإنسان إلا في علمه بالله وأما علمه بسوى الله تعالى فعلالة يتعلل بها الإنسان المحجوب فإن المنصف ما له همة إلا العلم به تعالى فاجهد إن تكون ممن يأخذ العلم بالله عن رسول الله ص فتكون محمدي الشهود إذ قد قطعنا أنه لا علم بالله اليوم عينا يختص به أحد من خلق الله وقد أشارت عائشة رضي الله عنها إلى ذلك في تأويلها في حق رسول الله ص فقالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية فإن الله يقول لا تدركه الأبصار وهنا سر فابحث عليه ولا تقل قد حجرت واسعا فإني ما حجرت عليك إن لا تعلم وإنما حجرت عليك أنك لا تعلم مثل هذا من الحق إلا في صورة محمدية وقد بينا أن أعظم الرؤية رؤية محمدية في صورة محمدية وإليه ذهب الإمام أبو القاسم بن قسي رحمه الله في كتاب خلع النعلين له وهو روايتنا عن ابنه عنه بتونس سنة تسعين وخمسمائة وما رأيت هذا النفس لغيره فنعينه فإنه ما وصل إلينا فيمكن إن يكون كما علمته أنا من الله تعالى إلقاء إلهيا من غير واسطة أعني ما علمه ابن قسي في ذلك يمكن أيضا أن يكون غير ابن قسي قبله أو بعده أو في زمانه قد أطلعه الله على ذلك وما وصل إلينا والله أعلم فلا شرف يعلو شرف العلم ولا حالة تسمو على حالة الفهم عن الله (الباب الثالث والتسعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله قل كل من عند الله فما لهؤلاء لقوم لا يكادون يفقهون حديثا لأنهم لم يجدوه إذ كان عندهم) كل ما في الكون من خالقه * فلهذا ليس في الكون حدوث ما تراه قد نفى العلم به * حين لا يفقه في الكون حديث إنهم لم يجدوه حادثا * فلهذا السير في ذاك حثيث ما نفى بالعلم فيه أحد * غير معتوه جهول أو خبيث إنما يعلم منه كونه * واحد العين وإن طال النثيث كرم الله رسولا بالذي * بثه فينا من الذكر الحديث قال الله تعالى ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين وقال ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم فجاء الذكر من الرب والرحمن فأخبر أنهم استمعوا وأصغوا لذكر الرب في حال لهو وذكر إعراضهم عن ذكر الرحمن مع العلم منهم بأنه القرآن وهو كلام الله والكلام صفته فله القدم وإن حدث الإتيان اعلم أن الحديث قد يكون حديثا في نفس الأمر وقد يكون حديثا بالنسبة إلى وجوده عندك في الحال وهو أقدم من ذلك الحدوث وذلك إذا أردت بالقدم نفي الأولية فليس إلا كلام الله وليس إلا عين القابل صور التجلي وإذا أردت به غير نفي الأولية فقد يكون حادثا في نفسه ذلك الشئ قبل حدوثه عندك وقد يكون حادثا بحدوثه عندك أي ذلك زمان حدوثه وهو ما يقوم بك أو بمن يخاطبك أو يجالسك من الأغراض في الحال وأما عندية الله فهي على قسمين أعني ما هو عنده القسم الواحد ما هو عليه من الأمر الذي يعقل زائدا على هويته وإن لم نقل فيه إنه غيره ولا عينه أيضا كالصفات المنسوبة إليه لا هي هو ولا هي غيره وقد يكون عنده ما يحدثه فينا ولنا وهو مثل قوله وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وهذا الذي عندنا على نوعين نوع يحدث صورته لا جوهره كالمطر فإنا نعلم ما هو من حيث جوهره وما هو من حيث صورته وكل العالم على هذا أو هو النوع الآخر ما يحدث جوهره وليس إلا جوهر الصورة ووجود جوهر العين القائمة به تلك الصورة فإنه لا وجود لعين جوهرها الذي قامت به إلا عند قيامها به فهو قبل ذلك معقول لا موجود العين فموضع الصورة أو محل الصورة من المادة يحدث له الوجود بحدوث الصورة في حال ما لا في كل حال
(١٢٩)