أقرب إلى ربه فكان أحدث عهد بعبوديته لربه ولم يجعلني جبارا شقيا إذ لا يكون ذلك ممن يكون إلا بالجهل والجهل فيه إنما هو من قوة سلطان ظلمة العنصر وقد بينا مرتبة عالم الطبيعة من عالم العناصر في هذا الكتاب في مواضع منه والسلام علي لعلمه بمرتبته من ربه وحظه منه يوم ولدت يعني له السلامة في ولادته من تأثير العبد المطرود الموكل بالأطفال عند الولادة حين يصرخ الولد إذا وقع من طعنته فلم يكن لعيسى ع صراخ بل وقع ساجد الله تعالى ويوم أموت يكذب من يفتري عليه أنه قتل فلم يقل ويوم أقتل ويوم أبعث حيا يعني في القيامة الكبرى أكد موته فأتاه الحكم بما ذكره وهو صبي رضيع في المهد فكان أتم في الوصلة بربه من يحيى بن خالته فإن عيسى سلم على نفسه بسلام ربه ولهذا ادعى فيه أنه إله ويحيى سلم عليه ربه تعالى ولم ينص على أنه عرف بذلك السلام عليه أو لم يعرف واعلم أن الناس إنما يستغربون الحكمة من الصبي الصغير دون الكبير لأنهم ما عهدوا إلا الحكمة الظاهرة عن التفكر والرؤية وليس الصبي في العادة بمحل لذلك فيقولون إنه ينطق بها فتظهر عناية الله بهذا المحل الظاهر فزاد يحيى وعيسى بأنهما على علم مما نطقا به علم ذوق لأن مثل هذا في هذا الزمان والسن لا يصح أن يكون إلا ذوقا وأن الله آتاه الحكم صبيا وهو حكم النبوة التي لا تكون إلا ذوقا فمن كان هجيره هذا فوراثته وإن كان محمديا لهذين النبيين أو لأحدهما على حسب قوة نسبته منهما أو من أحدهما وقد نطق في المهد جماعة أعني في حال الرضاعة وقد رأينا أعظم من هذا رأينا من تكلم في بطن أمه وأدى واجبا وذلك أن أمه عطست وهي حامل به فحمدت الله فقال لها من بطنها يرحمك الله بكلام سمعه الحاضرون وأما ما يناسب الكلام فإن ابنتي زينب سألتها كالملاعب لها وهي في سن الرضاعة وكان عمرها في ذلك الوقت سنة أو قريبا منها فقلت لها بحضور أمها وجدتها يا بنية ما تقولين في الرجل يجامع أهله ولا ينزل فقالت يجب عليه الغسل فتعجب الحاضرون من ذلك وفارقت هذه البنت في تلك السنة وتركتها عند أمها وغبت عنها وأذنت لأمها في الحج في تلك السنة ومشيت أنا على العراق إلى مكة فلما جئنا المعرف خرجت في جماعة معي أطلب أهلي في الركب الشامي فرأتني وهي ترضع ثدي أمها فقالت يا أمي هذا أبي قد جاء فنظرت الأم حتى رأتني مقبلا على بعد وهي تقول هذا أبي هذا أبي فناداني خالها فأقبلت فعند ما رأتني ضحكت ورمت بنفسها علي وصارت تقول لي يا أبت يا أبت فهذا وأمثاله من هذا الباب (الباب الأحد والثمانون وأربعمائة في حال قطب كان منزله إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا) من يشهد الله في أعماله حسنت * نشأتها فلها في الوزن رجحان مع الشهود له أجر يخص به * قضى بذلك في التعريف ميزان أن الرسول له أجر تعينه * له رسالته ما فيه نقصان لولا الوجود لما كان الشهود لنا * وفي الوجود لنا ربح وخسران وليس يدري الذي جئنا به أحد * إلا عليم بما في الأمر حيران قال رسول الله ص في الإحسان إنه العمل على رؤية الحق في العبادة وهو تنبيه عجيب من عالم شفيق على أمته لأنه علم أنه إذا قام العبد في عمله عبادة وجعل في نفسه أنه يرى ربه ويراه ربه بما استحضره في تلك العبادة على قدر علمه فإنه إذا كان هذا هجيره وديدنه ذلك أبصر أن العامل هو الله لا هو وأن العبد محل ظهور ذلك العمل كما ورد أن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فالإحسان في العبادة كالروح في الصورة يحييها وإذا أحياها لم تزل تستغفر لصاحبها ولها البقاء الدائم فلا يزال مغفورا له فإن الله صادق وقد أخبر أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا بل لا يضيع عمل عامل منكم من ذكرا وأنثى بعضكم من بعض كان العمل ما كان فإن كان خيرا فلا يضيع أجره وإن لم يكن خيرا فإن الله لا يضيعه لأنه لا بد أن يبدل الله سيئات التائب حسنات فإن لم يكن العمل غير مضيع وإلا ففي أي أمر يقع التبديل لأن الأعمال صور أنشأها العامل لا بل أنشأها الله فإنه العامل والعبد محل ظهور ذلك العمل كالهيولي لما يقبله من فتح الصور فيها ثم إن الحضور مع الله تعالى وهو الإحسان في ذلك العمل حياة ذلك العمل وبه سمي عبادة ولولا هذا
(١١٧)