تحت عزه ولا عز أعظم من عز الحق فلا ذل أذل ممن هو لله ومن ذل لله فإنه لا يذل لغير الله أصلا إلا أن يذل لعين الصفة حيث يراها في مخلوق أو غير مخلوق فيتخيل من لا علم له بما شهده هذا الذليل أنه ذل تحت سلطان هذا العزيز وإنما ذل تحت سلطان العزة وهي لله فما ذل إلا للحق المنعوت بهذا النعت وينبغي له أن يذل فلها يذل كل ذليل في العالم فمنهم العالم بذلك في حال ذله ومنهم من لا يعلم وأما الخزي فلا يخزي إذا كان لله فإن الخزي لا يكون من الله لمن هو له وإنما يكون لمن هو لغير الله في شهوده ولذلك قالت خديجة وورقة بن نوفل لرسول الله ص كلا والله لا يخزيك الله أبدا لما ذكر له ابتداء نزول الناموس عليه فالخزي الذي يقوم بالعبد إنما هو ما جناه على نفسه بجهله وتعديه رسوم سيده وحدوده فالذل صفة شريفة إذا كانت الذلة لله والخزي صفة ذميمة بكل وجه إذا قامت بالنفس فجميع مذام الأخلاق وسفسافها صفات مخزية عند الله وفي العرف وجميع مكارم الأخلاق صفات شريفة في حق وخلق ألا ترى إلى قول رسول الله ص إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فإنه نقص منها المسمى سفسافا فعين لها مصارف فعادت مكارم أخلاق فهي إذا اتصف بها العبد في المواطن المعينة لها لم يلحقه خزي ولا كان ذا صفة مخزية فما ثم إلا خلق كريم مهما زال حكم الغرض النفسي المخالف للأمر الإلهي والحد الزماني النبوي وأما الكائنون لله فهم على مراتب منهم من هو لله بالله ومنهم من هو لله بنفسه ومنهم من هو لله لا بالله ولا بنفسه لكن بغيره من حيث ما هو مجبور لذلك الغير فمن هو لله بالله فلا يذل ولا يخزي فإن الله لا يوصف بالذلة كما قال الله لأبي يزيد في بعض منازلاته تقرب إلي بما ليس لي الذلة والافتقار ومن هو لله بنفسه فيذل ذل شرف لكنه لا يخزي ومن كان لله لا بالله ولا بنفسه فهو بحيث يقبل الجبر فإن أجبر في الله فمنزلته منزلة من هو لله بالله في حق شخص وبنفسه في حق شخص وإن أجبر في أمر نفسي وهو بنفسه في تلك الحالة لا لله فهو في الخزي الدائم والذل اللازم وانحصرت أقسام هذه المنازلة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثالث عشر وأربعمائة في معرفة منازلة من سألني فما خرج من قضائي ومن لم يسألني فما خرج من قضائي) كل شئ بقضاء وقدر * والذي ليس بشئ بقضا فالذي يفهم ما أسرده * حاز علم السر فيه ومضى واحدا في عصره منفردا * قد أنار القلب منه فاضا فإذا عاينت من نوره * إنما عاينت برقا ومضا ما رأينا لمقام ناله * في وجود الكون منه عوضا قلت لما قيل لي إن له * في الذي يهواه منه غرضا فالذي أخر عن تحصيله * لم يكن إلا لأمر عرضا اعلم أن الله تعالى عرف أن نسبة القضاء إلى القاضي لا تصح حتى يقضي صلاحية ووجودا ولا يصح له هذا الاسم حتى يقضي ولا يعين القضاء إلا حال المقضي عليه فالقضاء أمر معقول لا وجود له إلا بالمقضي به والمقضي به يعينه حال المقضي عليه وبهذه الجملة يثبت اسم القاضي فلو ارتفعت هذه الجملة من الذهن ارتفع اسم القاضي ولو ارتفعت من الوجود ارتفع أيضا حقيقة فإن أطلق أطلق مجاز أو حقيقة المجاز أو التجوز أن ينسب الوقوع إلى ما ليس بواقع المثال في ذلك ادعى شخص على شخص دينا وأنكر المدعي عليه فعينت الدعوى إقامة البينة وهو المقضي به على صاحب الدعوى وعين الإنكار المقضي به على المنكر وهو اليمين إذا لم تقم البينة وحدث اسم القاضي حقيقة للحاكم باليمين على المدعي عليه إذا أنكر وطلب إقامة البينة من المدعي فالقضاء مجمل والمقضي به تفصيل ذلك المجمل وهو القدر لأن القدر توقيت فمن سأل فحاله أوجب عليه السؤال والسؤال طلب وقوع الإجابة فإنه قال أجيب دعوة الداع إذا دعان والإجابة أثر في المجيب اقتضاه السؤال فمن سأل أثر ومن أجاب تأثر فالحق آمر اقتضى له ذلك حال المأمور والخلق داع اقتضاه حال المدعو لأن الداعي يرجو الإجابة لما تقرر عنده من حال المدعو والآمر يرجو الامتثال من المأمور لما علمه من حال المأمور فحال
(١٧)