لأن العبد ما دام في الحياة الدنيا لا يأمن التبديل فإن الله يفعل ما يريد وما يدري العبد على الحقيقة مما كان عليه من الحال في حال عدمه إذ كان مشهودا لله لا لنفسه إلا ما مضى وما يقع فهو في علم الله فلا يأمن مكر الله لعلمه بالله وما بدلوا تبديلا فلله رجال بهذه المثابة جعلنا الله منهم فما أعظم بشارتها من آية ولا بلغ إلينا تعيين أحد من أهل هذه الصفة إلا طلحة بن عبيد الله من العشرة صح فيه عن رسول الله ص أنه قال هذا ممن قضى نحبه وهو في الحياة الدنيا فآمن من التبديل وهذا عظيم ويدخل في هذا المقام وإن لم يبلغ فيه مبلغ من له العهد الخالص بالأصالة من عهد الله على القيام بدينه عند توبته فوفى بما عاهد عليه الله قال لي السيد سليمان الدنبلي إن له خمسين سنة ما خطر له خاطر سوء فمثل هذا يلحق بهؤلاء إذا مات عليه ومن أوفى بما عاهد عليه الله وكل من جدد عهدا مع الله فهو من المخلصين ما هو ممن له الدين الخالص فصاحب الدين الخالص مهما تجدد له من الله حكم بشرع لم يكن يعرفه قبل ذلك وقد كلفه الحق به في كتابه أو على لسان رسوله فإن هذا العبد يتلقاه بالدين الخالص والعهد الأول ولا يضره جهله بالمسألة المعينة الخالصة هذا لا يقدح في صاحب هذا المقام كأبي بكر الصديق الذي ما رأى شيئا إلا رأى الله قبله بالدين الخالص والعهد الإلهي الذي كان عليه وفي شهوده ولهذا لما واجهه رسول الله ص بالإيمان برسالته بادر وما تلكأ ولا طلب دليلا على ذلك منه بل صدقه بذلك العهد الخالص فإنه رأى رسالته هناك كما رأى رسول الله ص نبوته قبل وجود آدم كما روى عنه كنت نبيا وآدم بين الماء والطين أي لم يكن موجودا وإنما عرف بذلك لقوله وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم وكان هذا الميثاق قبل وجود جسد آدم فلما وجد آدم وقبض الحق على ظهره واستخرج منه كأمثال الذر يعني بنيه أشهدهم على أنفسهم كما جاء في القرآن فشهدوا فهذا هو الميثاق الثاني والميثاق الأول هو ما أخذه على الأنبياء فلما ولدوا فمنهم من قضى نحبه ومنهم من خذله الله فأشرك جعلنا الله ممن قضى نحبه ولم يبدل آمين بعزته والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الخامس والأربعون وأربعمائة في معرفة منازلة هل عرفت أوليائي الذين أدبتهم بآدابي) أنبياء الله ما أدبهم * غيره فاعتصموا بالأدب فهم السادة لا يخذلهم * هكذا عينهم في الكتب فالذي يمشي على آثارهم * هو معدود بذا في النجب فإذا كان كذا ثم كذا * لم يزل لذاك خلف الحجب أسعد الناس بهم تابعهم * فتراه مثلهم في النصب لزموا المحراب حتى ورمت * منهم أقدامهم في قرب قال الله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ومن أحب الله ذل ومن أحبه الله دل فالمحب ذليل والمحبوب ذو دلال ودلال وقال ص إن الله أدبني فأحسن أدبي واعلم أنه لتعريف الله بمنازل الخلق عنده من ولي وغيره طريقين الطريق الواحدة الكشف فيرى منازل الخلق عند الله فيعامل كل طائفة بمنزلها من الله والطريق الأخرى ملازمة الأدب الإلهي والأدب الإلهي هو ما شرعه لعباده في رسله وعلى ألسنتهم فالشرائع آداب الله التي نصبها لعباده فمن وفى بحق شرعه فقد تأدب بأدب الحق وعرف أولياء الحق فإذا رأيت من جمع الخير بيديه وملأهما به فتعلم أنه قد أخذ بأدب الله فإن رسول الله ص بقول لربه وهو الصادق العالم بربه والخير كله بيديك فالخير إذا أردت أن تعرفه فاعلم أنه جماع مكارم الأخلاق وهي معروفة عرفا وشرعا وكل ما تراه من إقامة الحدود على من لو لم يأمرك الحق بذلك لكنت تعفو عنه فذلك لا يقدح في مكارم الأخلاق مع هذا الشخص فإنك ما فعلت به ما فعلت لنفسك وإنما الله فعل بعبده ما شاء على يدك وكلاكما عبد لسيد واحد وإنما كلامنا فيما يرجع إليك لا لأمر سيدك فإنه من مكارم الأخلاق في العبيد امتثال أوامر سيدهم في عباده والوقوف عند حدوده ومراسمه فيهم لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم
(٥٨)