وصاحب الإسراء أنه لم يكن واحد منهما بأقرب إلى الحق من الآخر فهي إشارة إلى عدم التحيز وإن الذات مجهولة غير مقيدة بقيد معين فكان من آياته التي أراه ليلة إسراءه كونه تدلى في حال عروجه وهذا عين ما أشار إليه أبو سعيد الخراز في قوله عن نفسه ما عرفت الله إلا بجمعه بين الضدين ثم تلا هو الأول والآخر والظاهر والباطن فكان بهويته في الجميع في حال واحدة بل هو عين الضدين فلولا أنت ما كان دنو ولا تدل فلا دنو ولا تدل ولا عروج ولا هبوط فهذه إن نظرت فيها محققا كلها خطوط فأنت من حيث هويتك لا نعت لك ولا صفة قيل لأبي يزيد كيف أصبحت فقال لا صباح لي ولا مساء إنما الصباح والمساء لمن تقيد بالصفة وأنا لا صفة لي فإني بكيت زمانا وضحكت زمانا وأنا اليوم لا أضحك ولا أبكي والصعود والهبوط نعت فلا صعود للعبد ولا هبوط من حيث عينه وهويته فالصاعد عين الهابط فما دنا إلا عين من تدلى فإليه تدلى ومنه دنا فكان قاب قوسين وما أظهر القوسين من الدائرة إلا الخط المتوهم وكفى بأنك قلت فيه المتوهم والمتوهم ما لا وجود له في عينه وقد قسم الدائرة إلى قوسين فالهوية عين الدائرة وليست سوى عين القوسين فالقوس الواحد عين القوس الآخر من حيث الهوية وأنت الخط القاسم المتوهم فالعالم في جنب الحق متوهم الوجود لا موجود فالموجود والوجود ليس إلا عين الحق وهو قوله أو أدنى فالأدنى رفع هذا المتوهم وإذا رفع من الوهم لم يبق سوى دائرة فلم تتعين القوسان فمن كان من ربه في القرب بهذه المثابة أعني بمثابة الخط القاسم للدائرة ثم رفع نفسه منها ما يدري أحد ما يحصل له من العلم بالله وهو قوله تعالى فأوحى إلى عبده ما أوحى وما عين لنا في الذكر الحكيم ما أوحى ولا ذكر رسول الله ص ما أوحى في ذلك القرب به إليه فكان التلقي في هذا الموطن تلقيا ذاتيا لا يعلمه إلا من ذاقه وليست في المنازلة منازلة تقتضي التقاء النقطة بالمحيط إلا هذه المنازلة فإنه إذا التقى المحيط بالنقطة ذهب ما بينهما فذلك ذهاب العالم في وجود الحق ولم تتميز نقطة من محيط بل ذهب عين النقطة من كونها نقطة وعين المحيط من كونه محيطا فلم يبق إلا عين وجودية مذهبة حكمها وحكم ما ينسب من العالم إليها ذهابا كليا عاما عينا وحكما والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن والعشرون وأربعمائة في معرفة منازلة الاستفهام عن الإنيتين) إذا ما كنت عيني في وجودي * وكل أين قواي أنا وأنتا فأما إن يكون الشأن عيني * وإما أن يكون الشأن أنتا وإما أن أكون أنا بوجه * ومن وجه سواه تكون أنتا فأنت الحرف لا يقرأ فيدري * وأنت محير الحيران أنتا أرى عجزا وذاك العجز عيني * وجهلا بالأمور فأين أنتا فما أقوى على تحصيل علم * ولا تقوى على التوصيل أنتا فحرنا في وجود الحق عجزا * وحرت وعزة الرحمن أنتا فزال أنا وهو والأنت فانظر * إلى قولي إذا ما قلت أنتا فمن أعني بأنت ولست عيني * ولا غيري فحرت بلفظ أنتا لأني لا أرى مدلول لفظي * ولا أنا عالم من قال أنتا أرى أمرا تضمنه وجودي * وأنت تغار منه وليس أنتا فإن زلنا تقول فعلت عبدي * فتثبتنا بأمر ليس أنتا فقل لي من أنا حتى أراه * فاعرف هل أنا أو أنت أنتا فلو لا الله ما كنا عبيدا * ولولا العبد لم تك أنت أنتا فأثبتني لنثبتكم إلها * ولا تنفي الأنا فيزول أنتا
(٤٠)