في حقه ولو لم يخلع لمات أبو بكر في أيامه دون أن يكون خليفة ولا بد له من الخلافة أن يليها في علم الله فلا بد من تقدمه لتقدم أجله قبل صاحبه وكذلك تقدم عمر بن الخطاب وعثمان وعلي والحسن فما تقدم من تقدم لكونه أحق بها من هؤلاء الباقين ولا تأخر من تأخر منهم عنها لعدم الأهلية وما علم الناس ذلك إلا بعد أن بين الله ذلك بآجالهم وموتهم واحدا بعد آخر في خلافته إن التقدم إنما وقع بالآجال عندنا وفي نظرنا الظاهر أو بأمر آخر في علم الله لم نقف عليه وحفظ الله المرتبة عليهم رضي الله عن جميعهم فهذا من حكم التأخر والتقدم ولله الأولية لأنه موجد كل شئ ولله الآخرية فإنه قال وإليه يرجع الأمر كله وقال وإليه ترجعون وقال ألا إلى الله تصير الأمور فهو الآخر كما هو الأول وما بين الأول والآخر تظهر مراتب الأسماء الإلهية كلها فلا حكم للآخر إلا بالرجوع إليه في كل أمر فإذا كان الله الأول فالإنسان الكامل هو الآخر لأنه في الرتبة الثانية وهو الخليفة وهو أيضا الآخر بخلقه الطبيعي فإنه آخر المولدات لأن الله لما أراد به الخلافة والإمامة بدأ بإيجاد العالم وهياه وسواه وعدله ورتبه مملكة قائمة فلما استعد لقبول أن يكون مأموما أنشأ الله جسم الإنسان الطبيعي ونفخ فيه من الروح الإلهي فخلقه على صورته لأجل الاستخلاف فظهر بجسمه فكان المسمى آدم فجعله في الأرض لخليفة وكان من أمره وحاله مع الملائكة ما ذكر الله في كتابه لنا وجعل الإمامة في بنيه إلى يوم القيامة فهو الآخر بالنسبة إلى الصورة الإلهية والآخر أيضا بالنسبة إلى الصورة الكونية الطبيعية فهو آخر نفسا وجسما وهو الآخر برجوع أمر العالم إليه فهو المقصود به عمرت الدنيا وقامت وإذا رحل عنها زالت الدنيا ومارت السماء وانتثرت النجوم وكورت الشمس وسيرت الجبال وعطلت العشار وسجرت البحار وذهبت الدار الدنيا بأسرها وانتقلت العمارة إلى الدار الآخرة بانتقال الإنسان فعمرت الجنة والنار وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة والنار فالإسم الأول للأولى وهي الدار الدنيا والاسم الآخر للأخرى وهي الآخرة وإنما قال الله تعالى لمحمد ص وللآخرة خير لك من الأولى لأن الآخر ما ورآه مرمى فهو الغاية فمن حصل في درجته فإنه لا ينتقل فله الثبوت والبقاء والدوام والأول ليس كذلك فإنه ينتقل في المراتب حتى ينتهي إلى الآخر وهو الغاية فيقف عنده فلهذا قال له وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى فأعطاه صفة البقاء والدوام والنعيم الدائم الذي لا انتقال عنه ولا زوال فهذا ما أعطاه حكم هذه الحضرة والله يقول الحق وهو يهدي (الظاهر حضرة الظهور) إن الظهور له شرط يؤيده * وليس يظهره إلا الذي غلبا إن الفتاة التي في طرفها حور * تفني الدموع وتذكى قلبنا لهبا فإن أتوك وقالوا إنها نصف * فإن أفضل نصفيها الذي ذهبا انقدتها ورقا حتى أفوز بها * فمانعت فلهذا صغته ذهبا لو أنها ظهرت لكل ذي بصر * أعمى سناها لهذا عينها احتجبا يدعى صاحبها عبد الظاهر ويلقب بالظاهر بأمر الله هذه الحضرة له تعالى لأنه الظاهر لنفسه لا لخلقه فلا يدركه سواه أصلا والذي تعطينا هذه الحضرة ظهور أحكام أسمائه الحسنى وظهور أحكام أعياننا في وجود الحق وهو من وراء ما ظهر فلا أعياننا تدرك رؤية ولا عين الحق تدرك رؤية ولا أعيان أسمائه تدرك رؤية ونحن لا نشك إنا قد أدركنا أمرا ما رؤية وهو الذي تشهده الأبصار منا فما ذلك إلا الأحكام التي لأعياننا ظهرت لنا في وجود الحق فكان مظهر إلها فظهرت أعياننا ظهور الصور في المرائي ما هي عين الرائي لما فيها من حكم المجلى ولا هي عين المجلى لما فيها مما يخالف حكم المجلى وما ثم أمر ثالث من خارج يقع عليه الإدراك وقد وقع فما هو هذا المدرك ومن هو هذا المدرك فمن العالم ومن الحق ومن الظاهر ومن المظهر ومن المظيهر فإن كانت النسب فالنسب أمور عدمية إلا أن علة الرؤية استعداد المرئي لقبول الإدراك فيرى المعدوم سلمنا إن المعدوم يرى فمن الرائي فإن كان نسبة أيضا فكما هو مستعد أن يرى يكون مستعدا أن يرى وإن لم يكن نسبة وكان أمرا وجوديا فكما هو الرائي هو المرئي لأن الذي نراه يرانا فإذا قلنا إنه نسبة من حيث إنه مرئي لنا
(٢٩٩)