ثم جعل لنا قوة غير مستقلة فالقوة على الحقيقة ما يظهر لها عين إلا بالمجموع فهو ذو القوة لأنه الواجب الوجود لنفسه ونحن الواجبون به لا بأنفسنا فهو وإن خلقنا من ضعف فإنه جعل فينا قوة لولاها ما كلفنا بالعمل والترك لأن الترك منع النفس من التصرف في هواها وبهذا عمت القوة العمل والترك فنحن فيها على السواء * بلا افتراء ولا مراء لكنه الأصل في وجودي * وما له فيه من بقاء لأنه بالشئون يفنى * فهو على منهج الفناء ولما جعل الله الشيب نورا بالقوة هنا وبالفعل في الآخرة وقرن الشيبة بالضعف الذي رجعنا إليه ليرينا بذلك النور الشيبي إن ذلك الضعف ما هو ضعف ثان من أجل ما نكره كما قال إن مع العسر يسرا ثم إن مع العسر يسرا يعني يسرا آخر فرجعنا إلى الضعف الأول على عين الطريق الذي منه خرجنا ألا تراه سبحانه يقول أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وقال ومنكم من يرد فوصفنا بأنا نرد وهو الرجوع إلى الضعف الأول إلى أرذل العمر وأرذل العمر ما لا يحصل لنا فيه علم فقال لكي لا يعلم من بعد علم شيئا فأما أن يكون منع الزيادة وإما أن يكون اتصف بعدم العلم في حال الهرم لشغله بما هو عليه من الضعف المفرط فإن الدنيا بالإنسان حامل والهرم شهر ولادتها فتقذفه من بطنها إلى البرزخ وهو المنزل الأول من منازل الآخرة فيتربى فيه كما يتربى المولود إلى يوم البعث وهو حد الأربعين حد الزمان الذي تبعث فيه الرسل الذين هم أكمل العالم علما بالأمور الإلهية فيحوزون القوة في دار الكرامة التي لا ضعف يعقبها فيتكون عنهم حساما يتكون هنا في خيالهم معنى وقد يكون في متعلق خاص حسا قدرة عليه كمن يريد أن يقوم فيقوم ويريد أن يكتب فيكتب وأما ما لا قدرة له ولا قوة له عليه إن يكون منه في الحس عليه فإنه يقوى على إيجاده خيالا في نفسه فذلك عينه يكون له في الآخرة حسا محسوسا وإن كان في قضية العقل محالا فما استحال وجوده في الخيال كذلك لا يستحيل وقوعه حسا لأن الخيال على الحقيقة إنما هو حضرة من حضرات الحس ولهذا يلحق المعاني بالمحسوسات في الصورة فيتخيل المحال محسوسا فيكون في الآخرة أو حيث أراد الله محسوسا ولهذا كان في الآخرة لا في الأولى فإن الخيال في الدرجة الأخيرة من الحس فإنه عن الحس يأخذ ما يكسوه من الصور للمحال وغيره فلهذا حيث كان لا يكون إلا في الآخرة فتنبه وأي قوى أعظم قوة ممن يلحق المحال الوجود بالوجود المحسوس حتى تراه الأبصار كوجود الجسم في مكانين فكما نتخيله هنا كذلك يقع في الآخرة حسا سواء وما عندنا في العلم أهون من إلحاق المحال بالممكن في الوجود ولا أصعب من إلحاق الممكن بالمحال وهو عدم وقوع خلاف المعلوم مع إمكانه في نفسه فهذا إلحاق الممكن بالمحال فنقول في الذي كنا نقول فيه ممكن عقلا محال عقلا فتداخلت الرتب فلحق المحال بالممكن أي برتبته ولحق الممكن برتبة المحال وسبب ذلك تداخل الخلق في الحق والحق في الخلق بالتجلي والأسماء الإلهية والكونية فالأمر حق بوجه خلق بوجه كل كون كون منه فالحضرة الإلهية جامعة لحكم الحق في الخلق والخلق في الحق ولولا ذلك ما اتصف الحق بأن العبد يغضبه ويسخطه فيغضب الحق ويسخط ويرضيه فيرضى وأما كون الحق يسخط العبد ويغضبه ويرضيه فالعامة تعرف هذا وهذا من علم التوالج والتداخل فلولا وجود حكم القوة ما كان هذا فإن الضعف مانع قوى فانظر حكم القوة كيف سرى في الضعف حتى تقول في الضعيف إذا قوى عليه الضعف بحيث لا يستطيع الحركة فتنسب القوة للضعف فوصفته بضده فمن هنا تعرف قول أبي سعيد الخراز لما قيل له بما ذا عرفت الله قال بجمعه بين الضدين ثم تلا هو الأول والآخر والظاهر والباطن فبالقوة تقوى الضعف وبالأقوى ضعفت القوة وهذا الفرق بين الأقوى والقوي كالأقرب والقريب فكل أقرب قريب وما كل قريب أقرب وكل أقوى قوى وما كل قوى أقوى وقد ذكرنا في هذه الحضرة ما فيه غنية وكفاية والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (المتين حضرة المتانة)
(٢٨٢)