فالمؤمن من أعطى الأمان في الحق أن منه يضيف إليه ما لا يستحق جلاله أن يوصف به مما ذكر تعالى أن ذلك ليس له بصفة كالذلة والافتقار وهذه أرفع الدرجات أن نصف العبد بأنه مؤمن فإن المؤمن أيضا من يعطي الأمان نفوس العالم بإيصال حقوقهم إليهم فهم في أمان منه من تعديه فيها ومتى لم يكن كذا فليس بمؤمن فالولاية مشتركة بين الله وبين المؤمنين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب التاسع وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله وما أنفقتم من شئ فهو يخلقه) إلا إنما الإنفاق من حضرة النفق * فإن له بابين في كل ما خلق فيأتي إليه الرزق من باب غيبه * وليس لذاك الباب باب فينطبق فما زال مفتوحا على كل حالة * لأن اسمه الفتاح ما عنده غلق إذا أنفق الإنسان فالله مخلف * فلا تيأسن فالوقت بالوقت متسق وإن غلق الإنسان باب عطائه * يواليه رب الجود جودا إن اتفق وإن غلق الإنسان باب هباته * فذلك إغلاق الإله إذا انغلق ويغلقه إن شاء فالأمر أمره * كما جاء في القرآن في سورة العلق إذا عذت بالرحمن في كل حالة * تعوذ بما قد جاء في سورة الفلق وفي سورة الناس التي جاء ذكرها * إلى جنبها تتلى كما عاذ من سبق وإن عذت عذبا لرب إن كنت مؤمنا * بما جاء في القرآن فانظر تعذ بحق فما ذكر التعويذ إلا بربنا * فكن تابعا لا تتبع غير من صدق قال الله تعالى كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى فيغلق عليه باب العطاء لما جعل في قلبه من خوف الفقر إن أعطى فيطغى في غناه في عين فقره فإن هو أعطى ما به استغنى افتقر فاحتقر فلا يزال الغني خائفا ولا يزال الفقير طالبا فالرجاء للفقير فإنه يأمل الغناء والخوف للغني فإنه يخاف الفقر فما أنفقتم من شئ فإن الله يخلفه بهويته فيخلفه بفتح الياء فإنه ما ينفق حتى يشهد العوض وهو قولهم من أيقن بالخلف جاد بالأعطية فما ينفق أحد إلا عن ظهر غنا لأن العبد فقير بالذات غني بالعرض وكان الأولى أن يكون غنيا بالذات لأنه المصرف لمن يتصرف فيه كالمال فإنه المتصرف فيمن يتصرف فيه فهو يصرفه لأنه لا يتعدى فيه علمه وعلمه ما كان إلا من معلومه فما تصرف فيه إلا بما أعطاه من ذاته فمن حكمك في نفسه فهو الحاكم في تحكمك فيه فافهم لقد جاد الإله على وجودي * بما أخفاه عن خلق كثير من العلم الذي ما فيه ريب * ولا شك لذي الفطن الخبير واعلم أنه لا يقبل الإنفاق إلا المحدث فإن الإنفاق إهلاك ولا يهلك إلا المحدث وكل شئ هالك إلا وجهه فمن أهلك شيئا فقد فقده وإذا فقده لم يجده وإذا لم يجده وجد الله عنده فهو يخلفه فكما عاد إلى الضمير على الشئ من يخلفه ولا يخلف إلا مثله لا عينه فليس هو هو وإذا لم يكن هو هو ولا بد من الخلف فيخلفه الله وجوده وهو قوله ووجد الله عنده فحيث تفني الأسباب هناك يوجد الله وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ومعنى ضل منكم وتلف فلم تجدوه وما وجدتم عند فقده إلا الله يقول رسول الله ص في دعائه ربه في سفره أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل فما جعله خليفة في أهله إلا عند فقدهم إياه فينوب الله عن كل شئ أي يقوم فيهم مقام ذلك الشئ بهويته ولهذا قال فهو يخلفه فأي سبب يكون للمنفق بعد الإنفاق يسد مسد ما أنفقه من أمر ظاهر أو باطن حتى اليقين أو الاستغناء عن الأمر الذي كان يصل إليه بذلك الذي أنفقه في عين تحصيله لذلك الشئ فهو مجعول من هوية الحق أو هوية الحق والهو عند الطائفة أتم الأذكار وأرفعها وأعظمها وهو ذكر خواص الخواص وليس بعده ذكر أتم منه فيكون ما يعطيه الهو في إعطائه أعظم
(١٤٨)