الكريم على أهلك وفي قومك فما هي سخرية به فإنه كذلك كان وهي سخرية به لأنه خاطبه بذلك في حالة ذله وإباحة حماه وانتهاك حرمته فما ظهر معتز في العالم إلا بصورة الحق أي بصفته إلا إن الله ذمها في موطن وحمدها في موطن وذلك الموطن المحمود أن يكون هو الذي يعطي ذلك على علم من العبد فهو صاحب اعتزاز في ذلك ومن ليس له هذا المقام فهو ذو اعتزاز في غير ذل وإن أحس بالذل في نفسه لأنه مجبول على الذلة والافتقار والحاجة بالأصالة لا يقدر أن ينكر هذا من نفسه ولذلك قال الله بأنه يطبع على كل قلب متكبر جبار فلا يدخله الكبرياء والجبروت وإن ظهر بهما فإنه يعرف في قلبه أنه لا فرق بالأصالة بينه وبين من تكبر عليهم ونجبر وأعظم الاعتزاز من حمى نفسه من أن يقوم به وصف رباني وليس إلا العبد المحض فإن ظهر بأمر الله فأمر الله أظهره فإعزاز الله عبده أن لا يقوم به من نعوت الحق في العموم نعت أصلا فهو منبع الحي من صفات ربه وإنما قلنا في العموم لأن صفات الحق في العموم ليست إلا ما يقتضي التنزيه خاصة المعبر عنها بالأسماء الحسنى والتي في الخصوص إن جميع الصفات كلها لله التي يقال إنها في العبد بحكم الأصالة وإن اتصف الحق بها والأسماء الحسنى في الحق بحكم الأصالة وإن اتصف العبد بها وعند الخصوص كلها لله وإن اتصف العبد بها ومتى لم يعتز العبد في حماه عن قيام الصفات الربانية به في العموم فما اعتز قط لأنه ما امتنع عنها وذلك إذا حكمت فيه عن غير أمر الله كفرعون وكل جبار ومن له هذه الصفة الحجابية وإن أخذها عن أمر الله ولكنه لما قام بها في الخلق وظهر بها اعتز في نفسه على أمثاله فلحق بالأخسرين أعمالا وهم ملوك الإسلام وسلاطينهم وأمراؤهم فيفتخرون بالرياسة على المرؤوسين جهلا منهم ولذلك لا يكون أحد أذل منهم في نفوسهم وعند الناس إذا عزلوا عن هذه المرتبة ومن كان في ولايته حاله مع الخلق حاله دون هذه الولاية ثم عزل لم يجد في نفسه أمر ألم يكن عليه فبقي مشكورا عند الله وعند نفسه وعند المرؤوسين الذين كانوا تحت حكم رياسته وهذا هو المعتز بالله بل العزيز الذي منع حماه أن يتصف بما ليس له إلا بحكم الجعل ثم إن الله قد جعل في الوجود موطنا يكون فيه العبد المحقق القائم به صفة الحق في الخلافة معزار به إذا رأى اهتضام جانب الحق من القوم الذين قال الله فيهم وما قدروا الله حق قدره فيعزه العبد بحسن التعليم والتنزل باللفظ المحرر الرافع للشبه في قلوبهم حتى يعز الحق عندهم فيكون هذا العبد معزا للحق الذي في قلوب هؤلاء الذين ما قدروا الله حق قدره قبل ذلك فانتزحوا عن ذلك وعبدوا إلها له العزة والكبرياء والتنزيه عما كانوا يصفونه به قبل هذا فهذا نصيبه وحظه من الاسم المعز فإنه حمى قلوب هؤلاء عن أن يتحكم فيهم ما لا يليق بالحق من سوء الاعتقاد والقول وقد ورد في القرآن من ذلك لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وقولهم يد الله مغلولة وأمثال هذه الصفات هو المعز ولكن ليس يدريه * إلا الذي جل عن كيف وتشبيه إن المعز الذي دلت دلائله * على تنزهه عن كل تنزيه من العباد فإن الحق يكذبه * بما يقول به في كل تنبيه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة الإذلال) إن المذل هو المعز بعينه * عند الدخول به وعند خروجه فإذا أذل حبيبه أدناه من * أكوانه عينا بعيد عروجه يدعى صاحبها عبد المذل وهو الذليل ومن هذه الحضرة خلق الله الخلق إلا أنه تعالى لما خلق الإنسان من جملة خلقه خلقه إماما وأعطاه الأسماء وأسجد له الملائكة وجعل له تعليم الملائكة ما جهلوه ولم يزل في شهود خالقه فلم تقم به عزة بل بقي على أصله من الذلة والافتقار ولما حمل الأمانة عرضا وجرى ما جرى قال هو وزوجه إذ كانت جزءا منه ربنا ظلمنا أنفسنا بما حملاه من الأمانة ثم إن بنيه اعتزوا لمكانة أبيهم من الله لما اجتباه ربه وهدى به من هدى ورجع عليه بالصفة التي كان يعامله بها ابتداء من التقريب والاعتناء الذي جعله خليفة عنه في خلقه وكمل به وفيه وجود العالم وحصل الصورتين ففاز بالسورتين أعني المنزلتين منزلة العزة بالسجود له ومنزلة الذلة بعلمه بنفسه وجهل من جهل من بنيه
(٢٣٠)