ولا عرف الله من لم يعصه فإنه إذا عرف الله عرف أنه ما عصى إلا صيغة الأمر لا الأمر الإلهي فإنه جاءه على لسان واحد من أبناء الجنس ورأى خطابه إياه بما خاطبه به ينقسم إلى ما تعضده الأدلة النظرية التي قد أمره الحق بها وحكم العقل باتباعها وإلى ما ترده الأدلة النظرية وإن حكمت مع الشرع باتباع ما ترده إيمانا بذلك وتصديقا وقد حكم النظر العقلي بدليله بصدق هذا المخبر وأنه لا ينطق إلا عن الله وأن الله هو القائل على لسانه لهذا السامع ما خاطبه به فإن عصاه فمن حيث هو مثل له والمثلان متقابلان فلا بد من حكم التقابل والتضاد فلا بد من المخالفة وإن أطاع ووافق فمن حيث إن المخاطب عين الحق ما هو المثل فيعظم في نفس السامع ويقبل الخطاب وذلك هو عين كون الحق متكبرا أي في نفس هذا العبد حين عصاه من حيث نظره إلى المثل في الخطاب وأما الواقفون مع الصورة الإلهية في الخلق فإن الله إذا تسمى لهم بالمتكبر فإنه تنزيه لما هم عليه من الصورة ودواء لما يحصل لهم في نفوسهم من عظمتهم على المخلوقين وما له دواء في نفس الخطاب إلا قوله إن الله خلق آدم على صورته فيعلم أنه وإن حاز الصورة فهو مخلوق فقد تميز فلا يتمكن له أن يتكبر في نفسه ولكن بهذا يكبر الحق عنده في قلبه بعد أن لم يكن لهذا العبد هذا النعت فإذا أضافه إلى ما تقدم ظهر حكم اسم المتكبر والمجال واسع والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة الخلق والأمر وهي للاسم الخالق) إلى خالق الأرواح أعملت همتي * لأحظى به والشاهدون حضور فيا من يراني عاملا متخلقا * إلا إنني ظل لديه ونور وإن لم يكن هذا مقالي فإنني * عبيد له بالعالمين خبير وإن لم يكن قولي وقلت نيابة * فإني ورب الراقصات كفور وإن كان قولي فالوجود محقق * وإني عليم بالمقال بصير يدعى صاحب هذه الحضرة عبد الخالق والخلق خلقان خلق تقدير وهو الذي يتقدم الأمر الإلهي كما قدمه الحق وأخر الأمر عنه فقال تعالى ألا له الخلق والأمر والخلق الآخر بمعنى الإيجاد وهو الذي يساوق الأمر الإلهي وإن تقدمه الأمر الإلهي بالرتبة فالأمر الإلهي بالتكوين بين خلقين خلق تقدير وخلق إيجاد فمتعلق الأمر خلق الإيجاد وستأتي حضرته وهي حضرة الباري ومتعلق خلق التقدير تعيين الوقت لإظهار عين الممكن فيتوقف الأمر عليه وقد ورد كل شئ بقضاء وقدر حتى العجز والكيس والوقت أمر عدمي لأنه نسبة والنسب لا أعيان لها في الوجود وإنما الأعيان الممكنات الثابتة في حال العدم مرتبة كما وقعت وتقع في الوجود ترتيبا زمانيا وكل عين تقبل تغييرات الأحوال والكيفيات والأعراض وأمثال ذلك عليها فإن الأمر الذي تتغير إليه إلى جانبها متلبسة به فلهذه العين القابلة لهذا الاختلاف في الثبوت أعيان متعددة لكل أمر تتغير إليه عين ثبوتية فهي تتميز في أحوالها وتتعدد بتعدد أحوالها سواء تناهى الأمر فيها أو لا يتناهى وهكذا تعلق بها علم الباري أزلا فلا يوجدها إلا بصورة ما علمه في ثبوتها في حال عدمها حالا بعد حال وحالا في أحوال في الأحوال التي لا تتقابل فإن نسبتها إلى حال ما من الأحوال المتقابلة غير نسبتها إلى الحال التي تقابلها فلا بد أن تثبت لها عين في كل حال وإذا لم تتقابل الأحوال يكون لها عين واحدة في أحوال مختلفة وكذا توجد فالأمر الإلهي يساوق الخلق الإيجادي في الوجود فعين قول كن عين قبول الكائن للتكوين فيكون فالفاء في قوله فيكون جواب أمره كن وهي فاء التعقيب وليس الجواب والتعقيب إلا في الرتبة كما يتوهم في الحق أنه لا يقول للشئ كن إلا إذا أراده ورأيت الموجودات يتأخر وجود بعضها عن بعض وكل موجود منها لا بد أن يكون مرادا بالوجود ولا يتكون إلا بالقول الإلهي على جهة الأمر فيتوهم الإنسان أو ذو القوة الوهمية أو أمر كثيرة لكل شئ كائن أمر إلهي لم يقله الحق إلا عند إرادته تكوين ذلك الشئ فبهذا الوهم عينه يتقدم الأمر الإيجاد أي الوجود لأن الخطاب الإلهي على لسان الرسول اقتضى ذلك فلا بد من تصوره وإن كان الدليل العقلي لا يتصوره ولا يقول به ولكن الوهم يحضره ويصوره كما يصور المحال ويتوهمه صورة وجودية وإن كانت لا تقع في الوجود الحسي أبدا ولكن
(٢١٠)