بالنظر إلى المفارق أهله بسفره وهو صاحب للمقيمين أهل هذا المسافر فنحن نتكلم فيه من حيث إنه خليفة فهو القائم على كل نفس فإن الرجال قوامون على النساء فسافروا عن أهليهم فاستخلفوا الحق فيهم ليقوم عليهم بما كان يقوم به عليهم صاحبهم وأوفى فمن هذه الحضرة أيضا جعل الله الخلفاء في الأرض واحدا بعد واحد لا يصح ولاية اثنين في زمان واحد قال ص إذا بويع الخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ولا نشك أن النبي ص أخبرنا أن الله هو خليفة المسافر في أهله بجعله لا بجعل المسافر بخلاف الوكالة وسترد حضرة الوكالة إن شاء الله فما جعل الحق نفسه خليفة في أهل المسافر إلا وله حكم ما هو عين الحكم الذي له فيهم من كونه إلها لهم وخالقا وربا ورازقا وكونهم مألوهين له ومخلوقين ومرزوقين ومربوبين فما عين الله للرجل أو القائم في أصله من الحقوق التي لهم عليه فإن الله يتكفل لهم بذلك ما دام مسافرا غائبا عن أهله وما يفعله معهم من الإنعام وغير ذلك مما لا يجب على الرجل لأهله عليه فهو من حضرة أخرى لا من حضرة الخلافة بل من حضرة الوهب أو الكرم أو الجود أو غير ذلك ومما يجب للأهل على القائم بهم مما هو خارج عن مؤونتهم حفظ الأهل وصيانته والغيرة عليه فمن خلف غائبا بسوء في أهله فقد أتى بابا من أبواب الكبائر فإنه انتهك حرمة الخليفة في الأهل وغره حلمه وإمهاله وما علم سر الله في ذلك من خير يعود على الغائب فإنه مؤمن وما يقضي الله لمؤمن بقضاء إلا وله فيه خير وكذلك هذا المنتهك من حيث إنه انتهك حرمة الغائب فله فيه خير التبديل لكونه مؤمنا ومن حيث إنه منتهك حرمة الخليفة فأمره إلى الله لا أحكم عليه بشئ إلا أنه في محل الرجاء والخوف من غير ترجيح ألا ترى إلى موسى ع كيف قال بئس ما خلفتموني من بعدي وهذا خطاب خارج عمن استخلفه في قومه وهو هارون فسماهم خلفاء وما استخلفهم لكنه لما تركهم خلفه وسار إلى ربه سماهم بهذا الاسم فاجعل بالك لما تقتضيه هذه الحضرة بما نبهتك عليه والله الموفق لا رب غيره (الجميل حضرة الجمال) إن الجميل الذي الإحسان شيمته * هو الذي تعرف الأكوان قيمته إذا يراه الذي فينا يحببه * يرى الوجود فيبدي فيه حكمته يدعى صاحب هذه الحضرة عبد الجميل قال رسول الله ص للرجل الذي قال له يا رسول الله إني أحب أن يكون نعلي حسنا وثوبي حسنا فقال له ص إن الله جميل يحب الجمال خرجه مسلم في صحيحه في كتاب الايمان وفي حديث عنه ص الله أولى من تجمل له ومن هذه الحضرة أضاف الله الزينة إلى الله وأمرنا أن تتزين له فقال خذوا زينتكم وهي زينة الله عند كل مسجد يريد وقت مناجاته وهي قرة عين محمد ص وكل مؤمن لما فيها من الشهود فإن الله في قبلة المصلي وقد قال اعبد الله كأنك تراه ولا شك أن الجمال محبوب لذاته فإذا انضاف إليه جمال الزينة فهو جمال على جمال كنور على نور فتكون محبة على محبة فمن أحب الله لجماله وليس جماله إلا ما يشهده من جمال العالم فإنه أوجده على صورته فمن أحب العالم لجماله فإنما أحب الله وليس للحق منزه ولا مجلي إلا العالم وهنا سر نبوي إلهي خصصت به من حضرة النبوة مع كوني لست بنبي وإني لوارث إني خصصت بسر ليس يعلمه * إلا أنا والذي في الشرع نتبعه ذاك النبي رسول الله خير فتى * لله نتبعه فيما يشرعه فأوجد الله العالم في غاية الجمال والكمال خلقا وإبداعا فإنه تعالى يحب الجمال وما ثم جميل إلا هو فأحب نفسه ثم أحب أن يرى نفسه في غيره فخلق العالم على صورة جماله ونظر إليه فأحبه حب من قيده النظر ثم جعل عز وجل في الجمال المطلق الساري في العالم جمالا عرضيا مقيدا يفضل آحاد العالم فيه بعضه على بعض بين جميل وأجمل وراعى الحق ذلك على ما أخبر نبيه ص فقال المؤمن لرسول الله ص الحديث الذي ذكرناه في هذا الباب الذي خرجه مسلم في صحيحه إن الله جميل فهو أولى أن تحبه إذ وقد أخبرت عن نفسك إنك تحب الجمال وأن الله يحب الجمال فإذا تجملت لربك أحبك وما تتجمل له إلا باتباعي فاتباعي زينتك هذا قوله ص قال الله تعالى قل إن كنتم تحبون
(٢٦٩)