فما تم إلا عبده وهو ربه * وما تم إلا راحم ورحيم أراد بالرحيم هنا المرحوم اسم مفعول مثل قتيل وجريح وطريد ولا تبديل لكلمات الله وهي أعيان العالم وإنما التبديل لله لا لهم ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها وفي قراءة أو ننساها فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ومن يبدل نعمة الله وهي ما بشرنا به من عموم مغفرته من بعد ما جاءته فمن هنا وإن كانت شرطا ففيها رائحة الاستفهام وقال في الجواب فإن الله شديد العقاب ولم يقل فإن الله يعاقب من بدل نعمة الله فهو كما قال شديد العقاب في حال العقوبة فمأثم من يقدر يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فيبدل نعمة الله بما هو خير منها بحسب حاجة الوقت فإن الحكم له أو مثلها والنسخ تبديل لا بدائم أنه القائل أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا فمن لم يظن بالله خيرا فقد عصى أمره وجهل ربه وأشقى من إبليس فلا يكون وقد أخبر الله تعالى عنه أنه يتبرأ من الكافر ووصفه بالخوف لله رب العالمين وقد ذكر تعالى أنه إنما يخشى الله من عباده العلماء وأتم هذه الآية بقوله إن الله عزيز أي يمتنع أن يؤثر فيه أمر يحول بينه وبين عموم مغفرته على عباده غفور ببنية مبالغة في الغفران بعمومها فهي رجاء مطلق للعصاة على طبقاتهم وقوله فيمن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته أنه شديد العقاب أي يسرع تعالى إلى من هذه صفته بالعقاب وهو أن يعقبه فيما بدله أن التبديل لله عز وجل ليس له فيعرفه أنه بيده ملكوت كل شئ فإن الله ما قرن بهذا العقاب ألما ومتى لم يقرن الألم بعذاب أو عقاب فله محمل في عين الأمر المؤلم فإنه لا يخاف إلا من الألم ولا يرغب إلا في الإلتذاذ خاصة هذا يقتضيه الطبع الذي وجد عليه من يقبل الألم واللذة وقد أعطى الله لعبيدة في القرآن من الاحتجاج ما لا يحصى كثرة كل ذلك تعليم من الله فلو كان الشقاء يستأصل الشقي ما بسط الله لعباده من الرحمة ما بسط ولا ذكر من الحجج ما ذكره وهو قوله وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ولا يعظم الفضل الإلهي إلا في المسرفين والمجرمين وأما في المحسنين فما على المحسنين من سبيل فإن الفضل الإلهي جاءهم ابتداء وبه كانوا محسنين وما بقي الفضل الإلهي إلا في غير المحسنين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ويهدي من يشاء.
إلى صراط مستقيم (الباب الرابع وأربعمائة في معرفة منازلة من شق على رعيته سعى في هلاك ملكه ومن رفق بهم بقي ملكا كل سيد قتل عبدا من عبيده فإنما قتل سيادة من سياداته إلا أنا فانظره) حكم الإضافة يبقيه ويبقينا * وتلك حكمته سبحانه فينا لولا العبيد لما كانت سيادة من * ساد العباد ولا كانوا موالينا قد قال في خلدي ما كان معتقدي * عند النداء كما كنا يكونونا ما يعدم الحق موجودا لزلته * وكيف يعدم من فيه يوالينا بكونه كان خلاقا وليس له * في نفسه أثر ولا يبارينا قال الله تعالى الحمد لله رب العالمين لم يقل رب نفسه لأن الشئ لا يضاف إلى نفسه فهذه وصية إلهية لعباده لما خلقهم على صورته وأعطى من أعطى منهم الإمامة الكبرى والدنيا وما بينهما وذلك قوله ص كلكم راع ومسئول عن رغيته فأعلى الرعاء الإمامة الكبرى وأدناها إمامة الإنسان على جوارحه وما بينهما ممن له الإمامة على أهله وولده وتلامذته ومماليكه فما من إنسان إلا وهو مخلوق على الصورة ولهذا أعمت الإمامة جميع الأناسي والحكم في الكل واحد من حيث ما هو إمام والملك يتسع ويضيق كما قررنا فالإمام مراقب أحوال مماليكه مع الأنفاس وهذا هو الإمام الذي عرف قدر ما ولاة الله عليه وقدمه كل ذلك ليعلم أن الله رقيب عليه وهو الذي استخلفه ثم نبهه على أمر لو عقل عن الله وذلك أن السيد إذا نقصه عين أو حال ممن ساد عليه فإنه قد نقص من سيادته بقدر ذلك وعزل بقدر ذلك كمن أعتق شقصا له في عبد فقد عتق من العبد ما عتق ولم يسر العتق في العبد كله إلا أن يعتق كله كذلك الإمام إن غفل بلهوه وشأنه وشارك رعيته فيما هم عليه من فنون اللذات ونيل الشهوات ولم ينظر من أحوال ما هو مأمور بالنظر في أحواله