ويرجى ويسأل ويجيب إن شاء وإن شاء وغفور بما ستر من هذه العلوم والأسرار الراجعة إليه تعالى وإلى أسمائه وإلى العالم عن الخلق كلهم بالمجموع فلا يعلم المجموع ولا واحد من الخلق لكن له العلم بالآحاد فعند واحد ما ليس عند الآخر فهو بالمجموع حاصل فهو حاصل في المجموع غير حاصل عند واحد واحد وهو قوله ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء فجاء بباء التبعيض فعند واحد من العلم بالله ما ليس عند الآخر فلذلك قال إن الله عزيز غفور (الباب الخامس والتسعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) من يرتدد منكم عن دينه ويموت * فإنه كافر بالدين أجمعه لأنه أحدي العين ليس له * مخالف جاءه من غير موضعه وإن إتيانه بالكل شرعته * بذا أتى الحكم فيه من مشرعه الضمير في أنه يعود على الذين قال الله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا فالمراد هنا بضمير منكم ليس إلا الأنبياء ع لا الأمم لأنه لو كان للأمم لم يبعث رسول في أمة قد بعث فيها رسول إلا أن يكون مؤبدا لا يزيد ولا ينقص وما وقع الأمر كذلك فإن جعلنا الضمير في قوله منكم للأمم والرسل جميعا تكلفنا في التأويل شططا لا نحتاج إليه فكون الضمير كناية عن الرسل أقرب إلى الفهم وأوصل إلى العلم ويدخل في ذلك عموم الرسالة وخصوصها وقال ص من بدل دينه فاقتلوه فاختلف الناس في اليهودي إن تنصر والنصراني إن تهود هل يقتل أم لا ولم يختلفوا فيه إن أسلم فإنه ص ما جاء يدعو الناس إلا إلى الإسلام وجعل علماء الرسوم أن هذا تبديل مأمور به وما هو عندنا كذلك فإن النصراني وأهل الكتاب كلهم إذا أسلموا ما بدلوا دينهم فإنه من دينهم الايمان بمحمد ص والدخول في شرعه إذا أرسل وأن رسالته عامة فما بدل أحد من أهل الدين دينه إذ أسلم فافهم وما بقي إلا المشرك فإن ذلك ليس بدين مشروع وإنما هو أمر موضوع من عند غير الله والله ما قال إلا من يرتدد منكم عن دينه ورسول الله ص يقول من بدل دينه وإنما لم يسم الشرك دينا لأن الدين الجزاء ولا جزاء في الخير للمشرك على الشرك أصلا لا فيما سلف ولا فيما بقي وإذا آل المشرك إلى ما يؤول إليه في النار التي هي موطنه الذي لا يخرج منه أبدا فإن ذلك ليس بجزاء وإنما ذلك اختصاص سبق الرحمة التي وسعت كل شئ فيظهر حكمها فيه في وقت ما عند إزالة حكم الغضب الإلهي فما أراد بالدين إلا الذي له جزاء في الخير والشر ولو أراد الدين الذي هو العادة مثل قول امرء القيس كدينك من أم الحويرث قبلها * وجارتها أم الرباب بمأسل أراد بالدين هنا العادة ونحن إنما تكلمنا في الدين المشروع الذي العادة جزء منه فيكشف للذاكر بهذا الذكر علم الارتداد وهو الرجوع الذي في قوله وإليه يرجع الأمر كله فمن الناس من عجل له هنا الرجوع إلى الله وليس ذلك إلا للعارفين بالله فإنهم يرجعون في أمورهم كلها إلى الله ولا يزالون يستصحبهم ذلك إلى الموت فيموتون عليه وإنما وصفوا بالكفر لأنهم تستروا بالأسباب ولم يقولوا بإبطالها فهم في نفوسهم وحالهم مع الله وبظاهرهم في الأسباب فإنهم يرون الأسباب راجعة إلى الله فرجعوا لرجوعها ورجعوا بها إلى الله فلما لم يفقدهم أصحاب الأسباب في الأسباب تخيلوا فيهم أنهم أمثالهم فيما هم فيه فجاءت هذه الآية ذما في العموم وحمدا ومدحا في الخصوص ولهذا تممها فقال فيهم إن أعمالهم حبطت لأنه أضافها إليهم وأعطاهم الرجوع إلى الله العلم بأن أعمالهم إلى الله لا إليهم فحبطت أعمالهم من الإضافة إليهم وصارت مضافة إلى الله كما هي في نفس الأمر وقوله في الدنيا يريد من عجل له الكشف عن ذلك هنا وقوله في الآخرة يريد من أخر له ذلك وهو الجميع إذا انكشف الغطاء وأما إضافة الدين إليه في قوله عن دينه وإنما الدين لله فإن الراجع إذا رآه في رجوعه لله لا إليه زالت هذه الإضافة عنه لشهوده وإنما قلنا بإضافة الدين إليهم في هذه الآية لأنه أظهر في الحكم من أجل قوله حتى يردوكم يعني في الفتنة عن دينكم إن استطاعوا فأضاف الدين إليهم فكان الأوجه أن يكون في ضمير الهاء على ما هو عليه في ضمير الخطاب سواء وإن جاز أن يكون ضمير الهاء يعود على الله لكن الأصل في الضمائر
(١٣١)