وهو قوله وما أمرنا إلا واحدة ثم شبه الإمضاء بلمح البصر أو هو أقرب وكذلك هو أقرب فانظر حكمة الله تعالى في هذا التشبيه وما حوته تلك اللمحة من الكثرة في الوحدة فعندها تعرف ما هو الأمر فأثبت ولا تفشه تكن من الأمناء الأخفياء الأبرياء واعلم أن قوله تعالى لو شاء الله ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم يقتضي نفي العلم بكذا ونفي المشيئة عن الحق كما يقتضي قوله قد علم الله الذين يتسللون منكم لو إذا وقوله يريد الله بكم فأثبت العلم والمشيئة معا لله وعلم الله لا يخلو من أحد أمرين وكذلك إرادته إما أن تكون صفة له قائمة به زائدة على ذاته وإن كان مثبتو الصفات يقولون لا هي هو ولا هي غيره ولكن لا بد أن يقولوا بأنها زائدة كما يعتقده الأشعري أو تكون عين ذاته إلا أن لها نسبة خاصة لأمر ما تسمى بتلك النسبة علما وهكذا سائر ما تسمى به مما يطلبه تعالى فما أثبت ولا نفي إلا تعلق العلم والإرادة ولكن ما ورد الكلام إلا بنفي العلم بأمر ما والإرادة فتعلم قطعا إن نفي العلم علم وأن العلم تابع للمعلوم يصير معه حيث صار ويتعلق به على ما هو عليه في نفسه وذاته لا ينتفي عنها الوجود ولا كل ما ثبت له القدم من صفة وغيرها فما بقي أن ينتفي إلا التعلق الخاص وهو أمر يحدث أو نسبة كيف شئت فقل ولا يتوجه النفي والإثبات إلا على حادث أي على ممكن سواء كان ذلك الحكم موصوفا بالوجود أو بالعدم فناب العلم هنا مناب التعلق حين نفيته بأداة لو في قوله لو علم ولو شاء فما علم وما شاء هذا هو الأمر الحادث المعين فقد علم أنه لو علم ولا يقال أنه قد شاء أن يقول لو شاء فإن المشيئة متعلقها العدم ولا يصح أن يحدث القول في ذات الله فإنه ليس بمحل للحوادث فلا يقال قد شاء أن يقول والتحقيق أنه ما أراد من المراد إلا ما هو المراد عليه من الاستعداد في حال العدم أن يكون به في حال الوجود أو يتصف به عند انتفائه عن الوجود أو انتفاء حكم الوجود عنه كيف شئت فقل ولما بان الفرقان بين المشيئة والعلم علمنا أنهما نسبتان لذات العالم والمريد أو صفتان في مذهب من يقول بالصفات من المتكلمين ولولا علمنا بالأصل الذي هون علينا سماع مثل هذا لكانت الحيرة في الله أشد والأصل ما هو إلا أن الله تعالى ما أرسل رسولا إلا بلسان قومه لأنه يريد إفهامهم فمن المحال أن يخرج في خطابه إياهم عما تواطئوا عليه في لسانهم فوجد العاقل في ذلك راحة وأما أهل الشهود فلا راحة عندهم في ذلك لما رأوه من اختلاف الصور على المشهود فما هم مثل أهل اللسان وجاءت الطبقة العلياء فقالت علمنا أن الشهود تابع للاعتقاد كما إن الخطاب تابع لما تواطأ عليه أهل ذلك اللسان فهان عليهم الأمر فرأوه في كل معتقد كما فهموه في كل لسان فما حاروا واهتدوا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الخامس والثلاثون وأربعمائة في معرفة منازلة أخذت العهد على نفسي فوقتا وفيت ووقتا على يد عبدي لم أف وينسب عدم الوفاء إلى عبدي فلا تعترض فإني هناك) وعدنا وأوعدنا فأما وعيدنا * فاتركه إن شئت والوعد ناجز فإني كريم والكريم نعوته * كما قد ذكرنا والقضاء يناجز فإن هم إنفاذ الوعيد لصدقه * تلقاه قرم للسماح مبارز فيردعه عن همه بنفوذه * لأن له الرحى فمنها يبارز وليس يرى الإنفاذ إلا مقصر * جهول بما قلنا عن الحق عاجز قال الله تعالى إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا هذا في الوعد وقال في الوعيد يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء فاعلم إن هذه المنازلة هي قوله إن رحمتي تغلب غضبي وهي قوله وما تشاءون إلا أن يشاء الله فإذا وعد العبد وعدا وشاء الله أن يخلف ذلك العبد وعده وما عاهد عليه شاء من العبد أن يشاء نقض العهد ولولا ذلك ما تمكن للمخلوق أن يشاء فشاء العبد عند ذلك نقض العهد وإخلاف الوعد بمشيئة الله في خلق مشيئة العبد فهو قوله ووقتا لم أف فلا تعترض على العبد فإنه مجبور في اختياره بمشيئتي ولكن ينبغي لصاحب هذه المنازلة إذا رأى من وقع منه مثل هذا أن ينظر إلى خطاب الشرع فيه فإن رأى أن ذلك المحل الظاهر منه مثل هذا من نقض العهد وإخلاف الوعد قد أطلق الحق عليه لسان الذم فيذمه بذم الحق فيكون حاكيا ولا يذمه بنفسه هذا هو الأدب وليس ذلك إلا في الخير كما يقيم
(٤٦)