بنفسه على نفسه لخلقه امتنانا منه لصدق وعده لا غير وتمم التعريف بقوله فقنا عذاب النار وليست إلا الطبيعة في هذه الدار فإنها محل الانفعال فيها لأنها للحق بمنزلة الأنثى للذكر ففيها يظهر التكوين أعني تكوين كل ما سوى الله وهي أمر معقول فلما رأى من رأى قوة سلطانها وما علم إن قوة سلطانها إنما هو في قبولها لما يكونه الحق فيها فنسبوا التكوين لها وأضافوه إليها ونسوا الحق بها فأنساهم أنفسهم إذ صرفهم عن آيات نفوسهم وهو قوله سأصرف عن آياتي الذين ووصفهم الحق فانقسم الخلق إلى قسمين قسم إلى الحق الصرف وقسم إلى الطبيعة الصرف وظهر بينهما برزخ ظهر فيه عالم ما هو ولا واحد من هذين القسمين فرأى ما يستحقه الحق فأعطاه حقه ولو لم يعطه فهو له ورأى ما تستحقه الطبيعة فأعطاها حقها ولو لم يعطها فهو لها فإن الطبيعة ليست بمجعولة بل هي لذاتها في العقل لا في العين كما هو الحق لذاته في العقل والعين فإن اجتمع الحق والطبيعة في العقل فقد افترق الحق من العقل وتميز في العين فإن الحق له الوجود العيني والعقلي والطبيعة لها الوجود العقلي ما لها وجود عيني وذلك ليكون الحكم في الخلق بين الوجود والعدم فيقبل العدم من حيث الطبيعة ويقبل الوجود من جانب الحق فلهذا يتصف كل ما سوى الله بقبول العدم والوجود فكان الحكم فيه للعدم كما كان فيه الحكم للوجود ولو لم يكن الأمر على ما ذكرناه لاستحال على المخلوق قبول العدم في وجوده أو قبول الوجود في عدمه فهكذا ينبغي أن تعرف الحقائق ولا سبيل إليها إلا بعدم الصرف عن الآيات والنظر إلى ما حرم الله من تكبر في الأرض بغير الحق وهذا من العلم الذي أنتجه هذا الذكر لصاحبه وأمثاله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل فللطبيعة القبول وللحق الوهب والتأثير فهي الأم العالية الكبرى للعالم الذي لا يرى العالم إلا آثارها لا عينها كما أنه لا يرى أيضا من الحق إلا آثاره لا عينه فإن الأبصار لا تدركه والرؤية ليست إلا بها فهو المجهول الذي لا يعلم سواه وهو المعلوم للذي لا يمكن لأحد الجهل به وإن لم يعلم ما هو فبين حق وبين طبع * لاح لنا في الوجود خلق * ليس بحق ولا بطبع * والطبع طبع والحق حق والخلق كالوفق إن نظرنا * فكل خلق تراه وفق (الباب الأحد عشر وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا واتقوا الله ويعلمكم الله) ومن يتق الله يجعل له * كما قال من أمره فارقا فيعلم منه ضلال الهدى * ونور الهدى هاديا سائقا ويظهر في شرقه غاربا * ويطلع في غربه شارقا ويصبح في كل علم له * على كل شخص به فائقا فكان لفتق الهدى راتقا * وكان لرتق الهدى فاتقا لنقسمه بين أبنائه * فيرقوا به جبلا حالقا وتبصره في مناجاته * إذا قام فيها به ناطقا فينشئها مثله نشأة * يكون بها في الورى خالقا ويخزن أأرضها قوتها * فيعلمه خالقا رازقا اعلم أيدنا الله وإياك بروح القدس أن المتقي بمجرد تقواه قد حصل في الفرقان إذ لو لم يفرق ما اتقى فالأمر ما بين محمود ومذموم * فالأمر ما بين محبوب ومكروه فكن وقايته في كل مكروه * يكن وقايتكم في كل مألوه واجعله في كل محبوب وقايتكم * وكن به بين تنزيه وتشبيه منزه الحق لا يدري بذاك ولا * مشبه الحق لا يدري وأدريه
(١٥٠)