فيعلم عند ذلك حكمة ذلك الأمر ويعلم جهله بالمصالح وهذا كثير اتفاقه في العالم يكون الشخص يتسخط بالأمر الذي لا يوافق غرضه ولا نظره وينسب مثلا الحاكم به إلى الجور فإذا ظهرت منفعة ذلك الحكم الذي تسخطت به عاد المتسخط يحمد الله ويشكر ذلك الحكم والحاكم على ما فعل حيث دفع الله به ذلك الشر العظيم الذي لو لم يكن هذا الحكم لوقع بالمحكوم عليه ذلك الشر وهذا يجري كثيرا فغاية العارفين إنهم يعلمون بالجملة أن الظاهر في الوجود والواقع إنما هو في قبضه الحكمة الإلهية فيزول عنه التسخط والضجر ويقوم به التسليم والتفويض إلى الله في جميع الأمور كما جاء وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد هذا هو حكم الحكمة لمن عقل عن الله ومثل هذا الشخص قد استعجل النعيم فإنه يتفرح وإذا كان هذا حاله فإن الله في أغلب الأحوال يطلعه في سره على حكمه الواقع في الحال الذي لا يرضى به العباد فإنه كل ما وقع به الرضي فقد علمت حكمته فإنه يراها الراضي موافقة لغرضه وإنما يقع النزاع والجهل فيما لا يوافق الغرض ولا الترتيب الوهمي فإن العقل لا يعطي صاحبه في الواقع إلا الوقوف فإنه يدري ممن صدر وإنما الوهم الذي هو على صورة العقل له ذلك النظر المرجح وحاشا العقل أن يرجح على الله ما لم يرجحه الله وما رجح الله إلا الواقع فأوقع ما أوقع حكمة منه وأمسك ما أمسك حكمة منه وهو الحكيم العليم فالعارف عنده الحكيم بتقدم العليم والعامي يقدم العليم ثم الحكيم وقد ورد الأمران معا فالحكيم خصوص والعليم عموم ولذلك ما كل عليم حكيم وكل حكيم عليم فالحكمة الخير الكثير فهي الخير الكثير * وهي البدر المنير * تختفي وقتا وتبدو * هكذا قال الخبير فبها خفت علينا * وبها كان الظهور والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى السفر الثاني والثلاثون بانتهاء حضرة الحكمة لعبد الحكيم والحمد لله وحده (الوداد حضرة الود) بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم إلا إن الوداد هو الثبات * على حال يزعزعه الشتات ويجمعنا وإياه مقام * إذا تبدو على الوجه السمات بواد لا أنيس به وأرض * تزينها الأزاهر والنبات أزاهره البنون إذا تراهم * على كرسيه وكذا البنات إذا خافوا يؤمنهم صباح * وليس يخيفهم إلا البيات يدعى صاحبها عبد الودود قال الله تعالى في أصحاب هذه الحضرة يحبهم ويحبونه وقال فاتبعوني يحببكم الله وفي الحديث الصحيح إذا أحب الله عبده كان سمعه وبصره ويده ورجله وقواه ثابتة له لا تزول وإن كان أعمى أخرس فالصفة موجودة خلف حجاب العمي والخرس والطرش فهو ثابت المحبة من كونها ودا فإن هذه الصفة لها أربعة أحوال لكل حال اسم تعرف به وهي الهوى والود والحب والعشق فأول سقوطه في القلب وحصوله يسمى هوى من هوى النجم إذا سقط ثم الود وهو ثباته ثم الحب وهو صفاؤه وخلاصه من إرادته فهو مع إرادة محبوبه ثم العشق وهو التفافه بالقلب مأخوذ من العشقة اللبلابة المشوكة التي تلتف على شجرة العنبة وأمثالها فهو يلتف بقلب المحب حتى يعميه عن النظر إلى غير محبوبه تنبيه وكيف لا يحب الصانع صنعته ونحن مصنوعاته بلا شك فإنه خالقنا وخالق أرزاقنا ومصالحنا أوحى الله إلى بعض أنبيائه يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك وخلقك من أجلي فلا تهتك ما خلقت من أجلي فيما خلقت من أجلك يا ابن آدم أنى وحقي لك محب فبحقي عليك كن لي محبا والصنعة مظهرة علم الصانع لها بالذات واقتداره وجماله وعظمته وكبرياءه فإن لم يكن فعلى من وفيمن وبمن فلا بد منا ولا بد من حبه فينا فهو بنا ونحن به كما قال ص في ثنائه على ربه فإنما نحن به وله وهذه حضرة العطف والديمومة
(٢٥٩)